عقيدة الإمام الصابوني

“عقيدة الإمام الصابوني“


هو الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد بن عامر النيسابوري الصابوني، الملقب بـ«شيخ الإسلام»،المولود سنة(٣٧٣هـ)، والمتوفى سنة(٤٤٩هـ).
ترجم له ابن كثير في”طبقات الشافعيين“[١]، والذهبي في”تاريخ الإسلام“[٢]، والسبكي في طبقاته[٣]، فقال:”اﻟﻔﻘﻴﻪ، اﻟﻤﺤﺪﺙ، اﻟﻤﻔﺴﺮ، اﻟﺨﻄﻴﺐ، اﻟﻮاﻋﻆ، اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ، اﻻﺳﻢ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺸﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ، ﻟﻘﺒﻪ ﺃﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺧﺮاﺳﺎﻥ، ﻓﻼ ﻳﻌﻨﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﺇﻃﻼﻗﻬﻢ ﻫﺬﻩ اﻟﻠﻔﻈﺔ ﻏﻴﺮﻩ”.
*كان الإمام أبو عثمان سنيًا شافعيًا، ومما يدل على كونه أشعريًا: توقيعه على كلام القشيري في نصرة الأشاعرة، وقد نص على ذلك ابن عساكر، حيث قال:”ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﺤﺎﻓﻆ ﺃﺑﻮ اﻟﻘﺴﻢ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﺳﻤﻌﻴﻞ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ-ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-: ﺩﻓﻊ ﺇﻟﻲ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺎﺟﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻦ ﻫﻮاﺯﻥ اﻟﻘﺸﻴﺮﻱ اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻨﻴﺴﺎﺑﻮﺭﻱ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﻣﻜﺘﻮﺑﺎ ﺑﺨﻂ ﺟﺪﻩ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﻘﺸﻴﺮﻱ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﺮﻑ اﻟﺨﻂ ﻓﻮﺟﺪﺕ ﻓﻴﻪ: ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ اﺗﻔﻖ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻥ ﺃﺑﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻷﺷﻌﺮﻱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺇﻣﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﺋﻤﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﻣﺬﻫﺒﻪ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺃﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻭﺭﺩ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺰﻳﻎ ﻭاﻟﺒﺪﻋﺔ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﻭاﻟﺮﻭاﻓﺾ ﻭاﻟﻤﺒﺘﺪﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻘﺒﻠﺔ، ﻭاﻟﺨﺎﺭﺟﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺔ ﺳﻴﻔﺎ ﻣﺴﻠﻮﻻ، ﻭﻣﻦ ﻃﻌﻦ ﻓﻴﻪ ﺃﻭ ﻗﺪﺡ ﺃﻭ ﻟﻌﻨﻪ ﺃﻭ ﺳﺒﻪ ﻓﻘﺪ ﺑﺴﻂ ﻟﺴﺎﻥ اﻟﺴﻮء ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ، ﺑﺬﻟﻨﺎ ﺧﻄﻮﻃﻨﺎ ﻃﺎﺋﻌﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﺫﻱ اﻟﻘﻌﺪﺓ ﺳﻨﺔ ﺳﺖ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﻭﺃﺭﺑﻌﻤﺎﺋﺔ، ﻭاﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺬﻛﺮ، ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻦ ﻫﻮاﺯﻥ اﻟﻘﺸﻴﺮﻱ. ﻭﻓﻴﻪ ﺑﺨﻂ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺨﺒﺎﺯﻱ اﻟﻤﻘﺮﻱ ﻛﺬﻟﻚ، ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﺠﻨﺎﺯﻱ ﻭﻫﺬا ﺧﻄﻪ ﻭﺑﺨﻂ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻮﻳﻨﻲ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻴﻪ، ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ، ﻭﺑﺨﻂ ﺃﺑﻲ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﺸﺎﺷﻲ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﺕ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻧﺼﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺎﺷﻲ ﺑﺨﻄﻪ ﻭﺑﺨﻂ ﺁﺧﺮ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻴﻪ، ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﺠﻮﻳﻨﻲ ﺑﺨﻄﻪ، ﻭﺑﺨﻂ ﺃﺑﻲ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻌﻤﺮﻱ اﻟﻬﺮﻭﻱ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻴﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﺨﻄﻪ، ﻭﺑﺨﻂ اﻷﻳﻮﺑﻲ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﺨﻄﻪ، ﻭﺑﺨﻂ ﺃﺧﻴﻪ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ ﻓﻴﻪ، ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﺨﻄﻪ، ﻭ«ﺑﺨﻂ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ، ﻭﻛﺘﺒﻪ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ»ﻭﺑﺨﻂ اﺑﻨﻪ ﺃﺑﻲ ﻧﺼﺮ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ، ﺻﺪﺭ ﻫﺬا اﻟﺬﻛﺮ، ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ، ﻭﺑﺨﻂ اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﺒﻜﺮﻱ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺩﺭﺝ ﻫﺬا اﻟﺬﻛﺮ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﻜﺮﻱ اﻟﺰﺑﻴﺮﻱ ﺑﺨﻄﻪ، ﻭﺑﺨﻂ ﺁﺧﺮ ﻫﻮ ﺇﻣﺎﻡ ﻣﻦ ﺃﺋﻤﺔ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭاﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻭﺻﻒ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺬﻛﺮ ﻭﻛﺘﺒﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻴﺪﻩ…”[٤]. ومن المعلوم أن أبا عثمان لن ينصر الأشاعرة إلا وهو يرى أنهم على حق، ولا يمكن لعاقل-كأبي عثمان الصابوني-أن يخالف الحق وقد عرف أهله. أما إذا كان قد نصرهم وهو يعتقد أنهم على باطل، فقد نصر الباطل، ولا ينصر الباطل إلا الباطلون!
ومما يؤيد كونه أشعريًا أيضًا: مدحه لعبد القاهر البغدادي(=الأشعري)، حيث قال عنه:”كان الأستاذ أبو منصور من أئمّة الأصول، وصدور الإسلام ، بإجماع أھل الفضل والتّحصیل. بديع التّرتیب، غريب التّألیف والتّهذيب تراهُ الجلة صدْرًا مقدما، ويدعوه الأئمة إماما مفخما. ومن خراب نَیْسابور أن اضطر مثلُه إلى مفارقتها”[٥]. وهذا الأمر كسابقه أيضًا، فلن يمدح أبو عثمان أحدًا إلا وهو يعتقد أنه على حق!
ولو كان عبد القاهر البغدادي ضالًا بنظر الصابوني، لما مدحه، وكيف يمدحه وهو يقول:”وإحدى علامات أھل السنة: حبهم لأئمة السنة وعلمائها وأنصارھا وأولیائها، وبغضهم لأئمة البدع ، الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار. وقد زين الله سبحانه قلوب أھل السنة ونورھا بحب علماء السنة فضلا منه جل جلاله”[٦].
ودلالة أخرى على كونه أشعريًا: أن كبار الأشاعرة كانوا يحضرون مجالسه ومنهم: أبو إسحاق الإسفراييني،وأبو بكر بن فورك. وقد نص على ذلك السبكي بقوله:”ﻭﺃﺧﺬ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ ﺳﻬﻞ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ اﻟﺼﻌﻠﻮﻛﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﻭﺗﻬﻴﺌﺔ ﺃﺳﺒﺎﺑﻪ ﻭﺗﺮﺗﻴﺐ ﺣﺸﻤﺘﻪ ﻭﻧﻮﺑﻪ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺤﻀﺮ ﻣﺠﺎﻟﺴﻪ ﻭﻳﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ، مع تكبره في نفسه، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﺋﻤﺔ، ﻛﺎﻷﺳﺘﺎﺫ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ اﻹﺳﻔﺮاﻳﻨﻲ، ﻭاﻷﺳﺘﺎﺫ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻓﻮﺭﻙ، ﻭﺳﺎﺋﺮ اﻷﺋﻤﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﻀﺮﻭﻥ ﻣﺠﻠﺲ ﺗﺬﻛﻴﺮﻩ”[٧]. وابن كثير[٨]. وغيرهما. ولو لم يكن أشعريًا لما سمح لهم بالحضور في مجالسه، وكيف يسمح لهم وهو يقول:”واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أھل البدع، وإذلالهم وإخزائهم وابعادھم واقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارھم، مستضيء بأنوارھم، ناصح لإخواني وأصحابي أن لا يزلقوا عن منارھم، ولا يتبعوا غیر أقوالهم، و لا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فما بین المسلمین، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحد منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه، وبدعوه، ولكذبوه، وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني حفظهما الله كثرة أھل البدع، ووفور عددھم فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة”[٩]!
بل كيف يحضر كبار الأشاعرة مجالسه، وهو مخالف لعقيدتهم ومعاد لها؟!
وبغض الحشوية له، دلالة أخرى أيضًا على كونه أشعريًا، فقد قال أبو إسماعيل الهروي في معرض ذكره لمخالفي الأشعري:”وسمعت عبد الله بن أبي نصر المؤدب يقول: ما صلى ابو نصر الصابوني على أبیه للمذھب”[١٠].
ويؤيد كونه على مذهب أبي الحسن، ثناؤه على إبانة الأشعري، وقد ذكر ذلك ابن عساكر، فقال:”ﻭﻟﻢ ﻳﺰﻝ ﻛﺘﺎﺏ اﻹﺑﺎﻧﺔ ﻣﺴﺘﺼﻮﺑﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ، ﻭﺳﻤﻌﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﺸﺎﺭ اﻟﺒﻮﺷﻨﺠﻲ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺑﺎﻟﺨﺮ ﻛﺮﺩﻱ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﺰاﻫﺪ، ﻳﺤﻜﻲ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺷﻴﻮﺧﻪ، ﺃﻥ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﺎ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ اﻟﻨﻴﺴﺎﺑﻮﺭﻱ ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻠﺲ ﺩﺭﺳﻪ ﺇﻻ ﻭﺑﻴﺪﻩ ﻛﺘﺎﺏ اﻹﺑﺎﻧﺔ ﻷﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻷﺷﻌﺮﻱ، ﻭﻳﻈﻬﺮ اﻹﻋﺠﺎﺏ ﺑﻪ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻣﺎﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎﺏ ﺷﺮﺡ ﻣﺬﻫﺒﻪ”[١١].
وما تضمنه كتاب الإبانة، هو ما قرره الأشاعرة، ودافعوا عنه وانتصروا!
*كما أنه كان متصوفًا، كما نص على ذلك الذهبي، بقوله:”ﻛﺎﻥ ﺷﻴﺦ اﻹﺳﻼﻡ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ ﻓﻘﻴﻬﺎ ﻣﺤﺪﺛﺎ، ﻭﺻﻮﻓﻴﺎ ﻭاﻋﻈﺎ”[١٢]. وعقيدة الصوفية مشهورة معروفة! بينها الإمام الصوفي أبو بكر محمد بن إسحاق البخاري الكَلاَباذي في كتابه«التعرف لمذهب أهل التصوف»، وغيره. وهي مخالفة-تمامًا-لمعتقد الحشوية والمعتزلة والشيعة وأضرابهم!
*وإن مما لا يدع مجالًا للشك في أشعريته؛ تفويضه لمعاني صفات الله-جل جلاله-، فقد قرر ذلك في عدة مواضع، منها قوله:”وكذلك يقولون في جمیع الصفات التي نزل بذكرھا القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعین والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشیئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحیاة، والیقظة والفرح والضحك وغرھا من غیر تشبیه لشيء من ذلك بصفات المربوبین المخلوقین، بل ينتهون فیها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله علیه وآله وسلم من غیر زيادة علیه ولا إضافة إلیه، ولا تكییف له ولا تشبیه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغییر، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه علیه بتأويل منكر يستنكر ،«ويجرونه على الظاھر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله»، كما أخبر الله عن الراسخین في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى:{والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب}”[١٣].فقوله:«من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه»أي: على ما أنزل الله، وقال رسوله، وهو مخالف لما قرره الحشوية، فهم يزيدون على الآيات والأحاديث مصطلحات”مشنشة”. كقولهم:”الرحمن على العرش استوى بذاته”. و:”ينزل إلى السماء الدنيا حقيقة”. و:”قديم النوع حادث الآحاد”. ونحو ذلك!
وقوله:«من غير تكييف له»، يدل دلالة واضحة صريحة على نفي الكيفية عن صفات الله!، فلو كان مراده من قوله هذا نفي العلم بكيفية الصفات، لما بطل أيضاً كون قوله:«ولا تشبيه»أي: الإيمان بوجود شبيه لله تعالى ويتصف بصفاته، لكنه مجهول لدينا، معلوم لدى الله! ومن زعم ذلك فقد كفر!
وقوله:«ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب»، تشبث به جهلة الحشوية على أنه يخدم مذهبهم، ويهدم مذهب الأشاعرة! وحقيقة الأمر أنه كتمسك الغريق بقشة! فالتأويل-عند المؤولة-مردود إذا لم يكن هناك قرينة تصرف اللفظ عن ظاهره، وإذا كان مخالفًا للغة!، والأشاعرة المؤولة لم يأتوا في تأويلاتهم بشيء يخالف اللغة أو ليس منها!
أما قوله:«ويجرونه على الظاھر»، فلا يعني امرار المعنى على ظاهره أبدًا، وإنما قصد اللفظ، كما وضحه في قوله:«ويكلون علمه إلى الله تعالى»، ولو كان يقصد إمرار المعنى على ظاهره لكان متناقضًا!، ولا مجال للقول بأنه قصد الكيفية هنا، لأنه أنكرها كما تقدم. ولو كان يقصد الكيفية هنا، لقال:”ويكلون علمها إلى الله”. ويؤيد كونه قصد المعنى لا الكيفية، قوله:«ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه علیه بتأويل منكر يستنكر»ولا يتكلم هنا إلا عن المعنى!
*ومن المواضع التي أكد فيها تفويضه للمعنى، قوله:”ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا،من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل،ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهر،«ويكلون علمه إلى الله»”[١٤]. فقوله:«من غير تشبيه له بنزول المخلوقين»، يخالف ما قرره الحشوية! فهو هنا أنكر المعنى الحقيقي اللغوي الظاهر(=المقابل للمجاز)للنزول، وهو: الهبوط من علو إلى سفل. أو: الحلول في المكان الذي ينزل إليه. فلم يعجب الحشوية بهذين المعنيين، لأنه لا يتوافق مع عقيدتهم(الملفقة!)، فاخترعوا معنى لا وجود له في اللغة، وقالوا: ينزل بذاته وهو على العرش!
وقد يظن البعض أن قوله:«ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهر»، يهدم ما قلته! وليست الحقيقة كذلك! بل هو-كما بينت آنفًا-يقصد: إمرار اللفظ على ظاهره، وهذا حق! أما المعنى فهو مفوض عنده! كما أشار إليه في قوله:«ويكلون علمه إلى الله»، وهو أيضاً لا يقصد الكيفية، لأنه أنكرها-كما تقدم-في قوله:«ولا تكييف». وهذا إنكار مطلق للكيفية، وليس لمجرد العلم بها فقط! لأنه-كما قلت آنفاً-إذا صح حمل قوله هذا على العلم بالكيفية، لما بطل أن يكون معنى قوله:«من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل»،أي: الإيمان بالخبر الصحيح، مع تشبيه وتمثيل، لكن دون العلم بهما! وهذا-كما قلت-كفر! لأنه تكذيب لصريح قوله-تعالى-:{ليس كمثله شيء}، ومن كذب شيئًا من القرآن فقد كفر-كما نص على ذلك الصابوني-!
*وأيضًا يؤكد كونه مفوضًا بقوله:”يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى، من استوائه على عرشه، ويمرونه على ظاهره،«ويكلون علمه إلى الله»، ويقولون{ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}. كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك ورضي منهم فأثنى عليهم به”[١٥]. وهذا الكلام كسابقيه! فقوله:«ويكلون علمه إلى الله»، لا يخلو من أن يكون المراد به: المعنى، أو: الكيفية. فأما الكيفية فقد أنكرها-كما تقدم-، وحينئذ فينصرف إلى المعنى!
*ويقر في وصيته-أيضاً-على التفويض، ونفي الكيفية عن صفات الله، فيقول:”ﻭﻳﺸﻬﺪ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ، اﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ، ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ{ﺇﻥ ﺭﺑﻜﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺵ}، ﻭﻗﻮﻟﻪ {اﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺵ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﺎﺳﺄﻝ ﺑﻪ ﺧﺒﻴﺮا}، ﻓﻲ ﺁﻳﺎﺕ ﺃﺧﺮ، ﻭاﻟﺮﺳﻮﻝ-ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤﺎ-ﺫﻛﺮﻩ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻘﻞ ﻋﻨﻪ،«ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﻴﻒ اﺳﺘﻮاءﻩ ﻋﻠﻴﻪ، ﺃﻭ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻟﻔﻌﻠﻪ ﻭﻓﻬﻤﻪ، ﺃﻭ ﻭﻫﻤﻪ، ﺳﺒﻴﻼ ﺇﻟﻰ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻛﻴﻔﻴﺘﻪ، ﺇﺫ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻋﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺭﺑﻨﺎ ﻣﻨﻔﻴﺔ»،ﻗﺎﻝ ﺇﻣﺎﻡ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻩ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﺃﻧﺲ-ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-ﻓﻲ ﺟﻮاﺏ ﻣﻦ ﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻻﺳﺘﻮاء: اﻻﺳﺘﻮاء ﻣﻌﻠﻮﻡ، ﻭاﻟﻜﻴﻒ ﻣﺠﻬﻮﻝ، ﻭاﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻪ ﻭاﺟﺐ، ﻭاﻟﺴﺆاﻝ ﻋﻨﻪ، ﺑﺪﻋﺔ ﻭﺃﻇﻨﻚ ﺯﻧﺪﻳﻘﺎ، ﺃﺧﺮﺟﻮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ”[١٧]. فقوله:«من غير أن يكيف استواءه عليه»، يغاير ما قرره الحشوية، من أن الكيف موجود مجهول لدينا! ولا حل لهم للجواب عن هذا(المأزق!)إلا بأن يقولوا: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يثبت لصفات الله كيفية فعلًا! أو أن النبي أثبت ذلك!
فإن كان النبي-عليه الصلاة والسلام-لم يثبت الكيفية، فقد شهد الحشوية على أنفسهم بمخالفة الحق والهدى، واتباع الضلال والهوى!
وإن كان النبي قد أثبت ذلك، فيلزمهم تكذيب الصابوني الذي قال-موقنًا-: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يثبت الكيفية! بل هذا يقتضي تكفيره!، لأنه كذب على النبي في زعمه! والكذب على الأنبياء-عليهم السلام-غير جائز!
وأما إيراد الصابوني لقول الإمام مالك بن أنس اللا صحيح من ناحية السند، فلا إشكال! فقوله:«اﻻﺳﺘﻮاء ﻣﻌﻠﻮﻡ»، لا يناقض التفويض! لأنه لا يخلو من أمور: إما أن معنى استواء الله معلوم لدينا. وإما أن معنى الاستواء في اللغة معلوم. وإما أنه مجهول لدينا، معلوم لدى الله!
فإن كان الأول، فلم لم يبينه مالك؟!، أو: لماذا لم يتكلم عن نوعه: هل هو حقيقي أم مجازي؟!
وإن كان الثاني، فنعم! ولا شك فيه ولا إشكال! ولا ينكر كونه معلومًا في اللغة عاقل!
وإن كان الثالث، فلا إشكال فيه! بل هو ما كان يعتقده الصابوني-كما بينت-!
وكذلك قوله:«والكيف مجهول»لا إشكال فيه!
بل معناه: نفي الكيف! كما تؤيد هذا الروايات الأخرى. وهو كما قال-تعالى-:{وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول}. فالمقصود بقوله:«بما لا يعلم من في الأرض»شريك الله كما قال المفسرون!
فشريك الله مجهول، أي: غير موجود!
وكذلك الكيف المجهول، أي: منفي! ويدلك على هذا قول الصابوني قبل أن يورد قول مالك مباشرة:«ﺇﺫ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻋﻦ ﺻﻔﺎﺕ ﺭﺑﻨﺎ ﻣﻨﻔﻴﺔ». ولن يورد الصابوني شيئًا يخالف ما قرره!
*فقد كان سنيًا أشعريًا، لا ينكر ذلك منصف عادل. وحتى تتيقن-أيها القارئ-من ذلك، اعلم أن أبا عثمان الصابوني قد عزل عن الخطابة في الفتنة التي تعرض لها الأشعرية. قال ابن عساكر:”ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ اﻧﺘﺸﺎﺭ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻩ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ-ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ-ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻨﺔ، ﻭاﺳﺘﻌﺎﺭ ﻣﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺑﺈﻃﻔﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ، ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺳﺐ ﺣﺰﺏ اﻟﺸﻴﺦ ﺃﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻷﺷﻌﺮﻱ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻃﻐﺮﻟﺒﻚ، ﻭﻭﺯاﺭﺓ ﺃﺑﻲ ﻣﻨﺼﻮﺭ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﻨﺪﺭﻱ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺣﻨﻔﻴﺎ ﺳﻨﻴﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺯﻳﺮﻩ ﻣﻌﺘﺰﻟﻴﺎ ﺭاﻓﻀﻴﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﻠﻌﻦ اﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﺑﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻊ، ﻗﺮﻥ اﻟﻜﻨﺪﺭﻱ ﻟﻠﺘﺴﻠﻲ ﻭاﻟﺘﺸﻔﻲ اﺳﻢ اﻷﺷﻌﺮﻳﺔ، ﺑﺄﺳﻤﺎء ﺃﺭﺑﺎﺏ اﻟﺒﺪﻉ ﻭاﻣﺘﺤﻦ اﻷﺋﻤﺔ اﻷﻣﺎﺛﻞ، ﻭﻗﺼﺪ اﻟﺼﺪﻭﺭ اﻷﻓﺎﺿﻰ ﻭﻋﺰﻝ ﺃﺑﺎ ﻋﺜﻤﺎﻥ اﻟﺼﺎﺑﻮﻧﻲ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎﺑﺔ ﺑﻨﻴﺴﺎﺑﻮﺭ، ﻭﻓﻮﺿﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﻓﺄﻡ اﻟﺠﻤﻬﻮﺭ”[١٨]. فتأمل!


وهذه المسألة كغيرها من المسائل القابلة للأخذ والرد! وليس هناك مسألة«علمية»لا تقبل النقاش!
وقد تمسك«الحشوية»بأقوال للصابوني على كونه حشويًا(=مثلهم!). *منها(= وهو الأكثر رواجًا عندهم!)قوله:”وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي-رضي الله عنه-احتج في كتابه المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بها، بخبر معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء كفارة، وسأل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن عتقه إياها، فامتحنها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فقال لها: من أنا؟. فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنك رسول الله الذي في السماء، فقال-صلى الله عليه وسلم-:«أعتقها فإنها مؤمنة». فحكم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بإسلامها وإيمانها، لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية. وإنما احتج الشافعي-رحمة الله عليه-على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سمواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة، سلفهم وخلفهم؛ إذ كان رحمه الله لا يروي خبرا صحيحا ثم لا يقول به”[١٩]. ولا حجة في هذا! فقوله:«فحكم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بإسلامها وإيمانها، لما أقرت بأن ربها في السماء»، لو حمل على ظاهره لكان باطلًا! وذلك لأن الإقرار بوجود الله في السماء ليس مفتاحًا للدخول في الإسلام، وليس أمرًا يتم من خلاله تصنيف الشيء المقر به ضمن قائمة المؤمنين! ولم يقل أحد من المسلمين أن شهادة أن الله في السماء شرط لدخول الإسلام! ولم يبعث الله أنبياءه للناس حتى يؤمنوا بوجوده في السماء!، وذلك لو أن الله بعث أنبياءه ليؤمن الناس بوجوده في مكان، لكان معنى ذلك: أنهم مؤمنون بوجوده أصلًا، لكن كونه زمكانيًا خفي عنهم، فجانبوا الصواب، وضلوا عن طريق البصيرة والرشاد!
والحق أن شهادة أن الله في السماء ليست من الإيمان ولا الإسلام في شيء، فقد روى مسلم أن جبريل أتى إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-فقال له:”ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﻦ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «اﻹﺳﻼﻡ ﺃﻥ ﺗﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ-ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-، ﻭﺗﻘﻴﻢ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﺗﺆﺗﻲ اﻟﺰﻛﺎﺓ، ﻭﺗﺼﻮﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻭﺗﺤﺞ اﻟﺒﻴﺖ ﺇﻥ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼ»، ﻗﺎﻝ: ﺻﺪﻗﺖ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻌﺠﺒﻨﺎ ﻟﻪ ﻳﺴﺄﻟﻪ، ﻭﻳﺼﺪﻗﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: «ﺃﻥ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻼﺋﻜﺘﻪ، ﻭﻛﺘﺒﻪ، ﻭﺭﺳﻠﻪ، ﻭاﻟﻴﻮﻡ اﻵﺧﺮ، ﻭﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺧﻴﺮﻩ ﻭﺷﺮﻩ»، ﻗﺎﻝ: ﺻﺪﻗﺖ”. فلم يذكر النبي-عليه الصلاة والسلام-شهادة أن الله في السماء، لا في الإسلام، ولا في الإيمان! ولو كان الاقرار بوجود الله في مكان مفتاحًا لباب الإسلام، أو طريقًا للوصول إلى الإيمان، لذكره النبي-صلى الله عليه وسلم-ولما غفل عنه! ولو حتى في حديث غير هذا! حتى لا تضل أمته من بعده(=فهو أحرص الناس على وجود الخير فيها)!
ولم يصرح أو يلمح أحد من أئمة المسلمين في كل زمكان بكون الاقرار بوجود الله في مكان شرطًا لدخول الإسلام! وهذا الأمر من التوحيد المتعلق بذات الله! والذي لا ينبغي أن يغفل عنه أحد!
كما أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال-في الحديث المتفق على صحته-:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله»، ولم يقل مرة أنه بعث ليؤمن الناس بوجود الله في السماء!
ولا شك أن هناك فرقًا بين:«شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، وبين:«أشهد أن الله في السماء». فلا يمكن أن تكون الأولى بديلة عن الثانية!
وفي صريح قول الصابوني-عليه رحمة الله-أن الجارية خرساء لا تتكلم! فلذلك لن يكون امتحان النبي-صلى الله عليه وسلم-(=وهو أرحم الخلق!)لها صعبًا، لا حول لها ولا قوة! بل سيكون ملائمًا لها فعلًا! وليس هناك طريقة أخرى تتمكن الجارية من خلالها الجواب عن سؤال النبي-صلى الله عليه وسلم-غير الإشارة! فتكلمت بلسان اصبعها أنها موحدة، لا تعبد آلهة في الأرض! وهذا ما تؤيده الروايات الأخرى لهذا الحديث المضطرب!
فتعريفها لله بـ:«صفة العلو والفوقية»، ناتج عن قصورها الذاتي عن الإفصاح بأن الله ربها، ولا تعبد غيره! ولا شك أن من الإيمان بـ:«لا إله إلا الله»وصفه-تعالى-بكل ما يليق به. والفوقية لائقة بالله، وتدل على قهره لجميع المخلوقات العابدة والمعبودة(=كالبشر، والأصنام، والنجوم، والنار)، وما كان خاضعًا لشيء فليس بإله، لأنه عاجز ذاتيًا عن الاستغناء عن غيره، وتحرير نفسه! فاعتقاد الجارية بأن الأصنام والنار والنجوم ليست آلهة، يعني: إقرارها بأنها لا تعبدها(=فالعاقل لا يعرف الباطل ثم لا يتركه!)بل تعبد قاهرها والمسيطر عليها.
أما قول الصابوني:«لاعتقاده(=يعني: الشافعي)أن الله سبحانه فوق خلقه»، فليس صريحًا في مخالفته للأشاعرة! لأن«فوق»لفظ مجمل، يمكن أن يكون المقصود منه: أن الله فوق خلقه، فوقية معنوية. ويمكن أن يكون المقصود به: أن الله فوق خلقه، فوقية حسية، فيزيائية، مسافية!
ولا يخفى عليك-سيدي القارئ-أنه لا يصح في التحقيق العلمي التمسك بالمجملات أو التعلق بها!
وقوله:«وفوق سبع سموات على عرشه»، مدلول، ودليله حديث الجارية التي أشارت باصبعها، وهذا يؤكد قولي-الذي قلته آنفًا-: أن الجارية قصدت أنها تعبد الله القاهر لكل شيء. فالعرش أعظم المخلوقات، فإن كان الله قاهره، فمن باب أولى أن يكون قاهرًا لشيء أحقر منه!
وحتى تكون-قارئي الكريم-في يقين مما قلته، تأمل: الجارية أشارت إشارةً، ولم تصرح-لفظًا-أنها تعبد الله الذي فوق العرش! فكيف استدل به سيدنا الشافعي-رضي الله عنه-على أن الله فعلًا فوق العرش؟!، كيف علم-يقينًا-أنها قصدت ذلك؟!
لماذا لم يحتمل الشافعي ما يحتمله فعلها! فلربما أنها أشارت إلى الغلاف المحيط بالكرة الأرضية، ولربما أنها قصدت أن الله بين السماء والأرض، ولربما قصدت أن الله تحت العرش، أو لربما قصدت أن الله في السماء الدنيا!
كل هذه الاحتمالات واردة، فلم«نبذها»الإمام الشافعي كلها؟!
ليس ذلك إلا لعلمه بأنها خرساء لا تتكلم، فأشارت لتخبر النبي أنها مؤمنة بمن هو قاهر للعرش وما دونه.
وقوله:«كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة، سلفهم وخلفهم»، يدل-صراحة-على أنه كان على ما كان العلماء عليه!
وجل العلماء صرحوا بتنزيه الله عن لوازم الفوقية الباطلة، ونقلوا الإجماع على ذلك، منهم الإمام عبد القاهر البغدادي(=الذي مدحه الصابوني، كما تقدم)، حيث قال-ناقلًا اجماع أهل السنة-:”ﻭاﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ اﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻮﻳﻪ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﻻ ﻳﺠﺮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﺯﻣﺎﻥ، ﺧﻼﻑ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﺯﻋﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺎﻣﻴﺔ ﻭاﻟﻜﺮاﻣﻴﺔ أﻧﻪ ﻣﻤﺎﺱ ﻟﻌﺮﺷﻪ”. وقال أيضًا:”ﻭﻗﺎﻟﻮا ﺑﻨﻔي اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭاﻟﺤﺪ ﻋﻦ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺧﻼﻑ ﻗﻮﻝ ﻫﺸﺎﻡ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺮاﻓﻀي، ﻓﻲ ﺩﻋﻮاﻩ أﻥ ﻣﻌﺒﻮﺩﻩ ﺳﺒﻌﺔ أﺷﺒﺎﺭ ﺑﺸﺒﺮ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺧﻼﻑ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﺯﻋﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺮاﻣﻴﺔ أﻧﻪ ﺫﻭ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺘي ﺗﻼﻗي ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﺮﺵ، ﻭﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﺟﻬﺎﺕ ﺳﻮاﻫﺎ”. وقال-مستشنعًا على ابن كرام-:”أﻥ اﺑﻦ ﻛﺮاﻡ ﺩﻋﺎ اﺗﺒﺎﻋﻪ إﻟﻰ ﺗﺠﺴﻴﻢ ﻣﻌﺒﻮﺩﻩ، ﻭﺯﻋﻢ أﻧﻪ ﺟﺴﻢ، ﻟﻪ ﺣﺪ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻪ، ﻭاﻟﺠﻬﺔ اﻟﺘي ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻼﻗي ﻋﺮﺷﻪ، ﻭﻫﺬا ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻘﻮﻝ اﻟﺜﻨﻮﻳﺔ ﺇﻥ ﻣﻌﺒﻮﺩﻫﻢ اﻟﺬي ﺳﻤﻮﻩ ﻧﻮﺭا ﻳﺘﻨﺎﻫﻰ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺘي ﻳﻼﻗي اﻟﻜﻼﻡ، ﻭإﻥ ﻟﻢ ﻳﺘﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﺟﻬﺎﺕ”. وقال منكرا على الكرامية:”ﻭﻣﻨﻬﻢ اﻟﻜﺮاﻣﻴﺔ ﻓﻰ ﺩﻋﻮاﻫﺎ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﺴﻢ ﻟﻪ ﺣﺪ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ، ﻭﺃﻧﻪ ﻣﺤﻞ اﻟﺤﻮاﺩﺙ ﻭﺃﻧﻪ ﻣﻤﺎﺱ ﻟﻌﺮﺷﻪ”. ولم يصح عن عالم صالح زاهد، متق لله رب العالمين، القول بوجود الله في مكان(=على نوعيه)، وما نسب إلى بعضهم لا يصح من ناحية السند، ولا يدل من ناحية الدلالة على ذلك.
وحتى لا أدع الشك يراود أفكارك-أيها القارئ-، ويذهب بذهنك إلى عالم لا نور فيه، أنقل لك كلام الشافعي-كاملًا-الذي قصده الإمام أبو عثمان الصابوني-رضي الله عنهما-. فاقرأه بتأمل دقيق-غير مأمور-. قال الشافعي:” ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﻋﻦ ﻫﻼﻝ ﺑﻦ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﻋﻦ ﻋﻄﺎء ﺑﻦ ﻳﺴﺎﺭ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ:«ﺃﺗﻴﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻋﻰ ﻏﻨﻤﺎ ﻟﻲ ﻓﺠﺌﺘﻬﺎ ﻭﻓﻘﺪﺕ ﺷﺎﺓ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ، ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﺃﻛﻠﻬﺎ اﻟﺬﺋﺐ، ﻓﺄﺳﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ، ﻓﻠﻄﻤﺖ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻭﻋﻠﻲ ﺭﻗﺒﺔ ﺃﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ؟، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ – ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ – ﺃﻳﻦ اﻟﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء، ﻓﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻧﺎ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﺃﻧﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ. ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ. ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ: ﺃﺷﻴﺎء ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻛﻨﺎ ﻧﺼﻨﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻛﻨﺎ ﻧﺄﺗﻲ اﻟﻜﻬﺎﻥ ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ-ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-: ﻻ ﺗﺄﺗﻮا اﻟﻜﻬﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻭﻛﻨﺎ ﻧﺘﻄﻴﺮ. ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻤﺎ ﺫﻟﻚ ﺷﻲء ﻳﺠﺪﻩ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻼ ﻳﺼﺪﻧﻜﻢ». (ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ-ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ-) : اﺳﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ، ﻛﺬﻟﻚ ﺭﻭﻯ اﻟﺰﻫﺮﻱ ﻭﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻛﺜﻴﺮ. (ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ): ﻭﺇﺫا ﺃﻋﺘﻖ ﺻﺒﻴﺔ ﺃﺣﺪ ﺃﺑﻮﻳﻬﺎ ﻣﺆﻣﻦ ﺃﺟﺰﺃﺕ ﻋﻨﻪ-ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ-، ﻷﻧﺎ ﻧﺼﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻧﻮﺭﺛﻬﺎ ﻭﻧﺤﻜﻢ ﻟﻬﺎ ﺣﻜﻢ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺇﻥ ﺃﻋﺘﻖ ﻣﺮﺗﺪﺓ ﻋﻦ اﻹﺳﻼﻡ ﻟﻢ ﺗﺠﺰﺉ، ﻭﻟﻮ ﺭﺟﻌﺖ ﺑﻌﺪ ﻋﺘﻘﻪ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﺇﻟﻰ اﻹﺳﻼﻡ ﻷﻧﻪ ﺃﻋﺘﻘﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻣﻨﺔ، ﻭﺇﻥ ﻭﻟﺪﺕ ﺧﺮﺳﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﻪ ﻭﺗﺼﻠﻲ ﺃﺟﺰﺃﺕ ﻋﻨﻪ-ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ-، ﻭﺇﻥ ﺟﺎءﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻼﺩ اﻟﺸﺮﻙ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﺧﺮﺳﺎء، ﻓﺄﺷﺎﺭﺕ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺻﻠﺖ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺇﺷﺎﺭﺗﻬﺎ ﺗﻌﻘﻞ، ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ ﺃﺟﺰﺃﺕ-ﺇﻥ ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ-ﻭﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻌﺘﻘﻬﺎ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺇﻥ ﺳﺒﻴﺖ ﺻﺒﻴﺔ ﻣﻊ ﺃﺑﻮﻳﻬﺎ ﻛﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻌﻘﻠﺖ، ﻭﻭﺻﻔﺖ اﻹﺳﻼﻡ ﺇﻻ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ ﻋﻦ ﻇﻬﺎﺭﻩ ﻟﻢ ﺗﺠﺰﺉ، ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻒ اﻹﺳﻼﻡ ﺑﻌﺪ اﻟﺒﻠﻮﻍ، ﻓﺈﺫا ﻓﻌﻠﺖ ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ ﺃﺟﺰﺃﺕ ﻋﻨﻪ، ﻭﺇﺫا ﻭﺻﻔﺖ اﻹﺳﻼﻡ ﺑﻌﺪ اﻟﺒﻠﻮﻍ ﻓﺄﻋﺘﻘﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﺟﺰﺃﺕ ﻋﻨﻪ،«ﻭﻭﺻﻔﻬﺎ اﻹﺳﻼﻡ ﺃﻥ ﺗﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﺗﺒﺮﺃ ﻣﻤﺎ ﺧﺎﻟﻒ اﻹﺳﻼﻡ ﻣﻦ ﺩﻳﻦ ﻓﺈﺫا ﻓﻌﻠﺖ ﻓﻬﺬا ﻛﻤﺎﻝ ﻭﺻﻒ اﻹﺳﻼﻡ»ﻭﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲ ﻟﻮ اﻣﺘﺤﻨﻬﺎ ﺑﺎﻹﻗﺮاﺭ ﺑﺎﻟﺒﻌﺚ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻬﻪ”.
فالشافعي فهم منها أنها مؤمنة بالله، لا تعبد آلهة في الأرض. وأما أنها«قالت»، فهي حكاية من الرواة. فالعرب تطلق القول على الفعل، وهذا معلوم، كما قال الشاعر:«وقالت له العينان سمعًا وطاعة»، ولا يقول عاقل: أن العينين تتكلم حقيقة!
وهذا ما فهمه أبو عثمان الصابوني من الحديث، أنها أشارت، لأنها خرساء، لا تحسن الكلام!
*ومن هذه الأقوال التي تمسك بها الحشوية، قول أبي عثمان الصابوني:”وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين، أنه قال لهامان:{ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب* أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا }. وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى-عليه السلام-يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله :{وإني لأظنه كاذبا}يعني في قوله: إن في السماء إلها ،وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف-رحمهم الله-لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه،وعرشه فوق سمواته”[٢٠].
وفي الحقيقة أنه ليس في هذا ما يستحق«التشبث به»و«حشره في كل موضع!». فغاية ما تضمنه هذا النص أمرين، فالأول: أن فرعون سمع موسى أنه يقول أن الله في السماء. والثاني: أن المسلمين قديمًا وحديثًا لم يختلفوا في كون الله على عرشه!
وأما الأمر الأول؛ فقد أجبت عنه في مقال، فراجعه إن شئت! وبشكل مختصر: فإن ما بُنِيَ عليه هذا الأمر هو فهم فرعون! لذلك فإنك تلاحظ-أخي القارئ-أن أبا عثمان استنبط هذا من فهم فرعون اللعين«فقط»! فأصل المسألة-إذًا-راجع إلى معرفة حال فرعون. ولا يخفى على أحد من المسلمين قرأ كتاب الله حال«المعتوه»فرعون. فشهرة ذلك تغني عن ذكره هنا. وهذا الأمر(=أن موسى قال أن ربه في السماء)له سند، بمعنى: أن فرعون قال: سمعت موسى يقول:«أن ربه في السماء». وفرعون مجروح، كافر، ظالم، كذاب، أفاك، لا تقبل روايته! وعليه=فإنه لم يثبت عن موسى أنه قال ذلك فعلًا، لأنه من طريق فرعون، الذي لا يصدقه من عنده مسكة من عقل! فهل هناك شواهد صحيحة ثابتة(=من كتاب الله، أو سنة رسوله)على أن موسى قال ذلك فعلًا؟!
من الملاحظ أنه ليس في القرآن آية تخبر أن موسى قال ذلك، أو حتى«لمَّح»له فقط! وكذلك ليس في السنة الشريفة! ولا يمكن أن يثبت ذلك، لأنه أمر غاية في المهزلة!، فلم يرسل الله الرسل للناس ليؤمنوا بوجوده في السماء، بل ليؤمنوا بأن هناك من هو أعظم ممن يعبدونه! من البشر والحجر والشجر، ونحو ذلك، لأن الإيمان بوجود الله في مكان، لا يكون إلا بعد الإيمان بوجوده-كما تقدم-، بمعنى: لو كان الله أرسل الرسل ليؤمنوا بوجوده في السماء، ونحوها من الأمكنة والتحيزات، لكان معناه: أن الناس مؤمنون بوجود الله قبل أن يرسل إليهم رسلًا، بل أرشدتهم فطرتهم إلى أن صانع العالم موجود. لكن فطرتهم لم ترشدهم إلى شيء أبسط مما كانت قد أرشدتهم إليه بكثير، وهي الإيمان بوجود هذا الإله العظيم في مكان. وحينئذ فيبطل دليل«الفطرة»الذي يتمسك به القوم، ويعضوا عليه بالنواجذ!. أو بمعنى أوضح: لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا بوجود الله في مكان، إلا إذا كان مؤمنًا بوجوده أصلًا، سواءً في مكان أو لافي مكان. كما أنك-أيها القارئ-لن تصف شيئًا إلا بعد أن تثبت وجوده. وعلى ذلك فتكون الغاية-عند القوم!-من إرسال الرسل:«الإيمان بوجود الله في مكان»، فمن آمن بذلك، فهو مؤمن، وربما كامل الإيمان! وليس بحاجة إلى أداء الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة! ومن زعم هذا فقد كفر بدين محمد-عليه أفضل الصلاة والسلام-!
فهل كان فرعون مؤمنًا بوجود الله أم لا؟!. إن هذا الأمر لا يخلو من أمرين معلومين. أما الأول: فإما أن فرعون كان مؤمنًا بذلك فعلًا، لكنه غير مؤمن بوجود هذا الإله في مكان. وأما الثاني: فإما أن فرعون كان ملحدًا، لا يؤمن بوجود من هو أعظم منه. إن كان الأول، فننتقل إلى السؤال التالي: كيف آمن فرعون بوجود هذا الإله اللا مكاني؟!. وهذا السؤال-كسابقه-لا يخلو من أمرين: إما أن فطرته أرشدته إلى ذلك، فصدقت-عند القوم!-في الأولى، وكذبت في الثانية. وإما أن الله أرسل رسولًا يخبره بوجوده، وهذا الرسول كان قبل موسى. والأمر الأول باطل عند الجميع. فوجب أن يكون الأمر الثاني. وسبق وأن قلت: أنه لو كان موسى أرسل لفرعون، ليؤمن بوجود الله في مكان، لما كانت الغاية من إرسال الرسل إلا:«الإيمان بوجود الله في مكان». وكون الله أرسل قبل موسى رسولًا ليؤمن الناس بوجود الله أصًلا، فإنه ينقض«الغاية»التي من أجلها بعث الرسل! وهذا الأمر ظاهر، واضح، معلوم! لا يحتاج إلى بيان وتوضيح! ويلزم من هذا«الدور»، وهو باطل! فيجب أن نرجع إلى الأمر الثاني من كون فرعون مؤمنًا بوجود الله أم لا. وهو: أنه لم يكن مؤمنًا بذلك فعلًا. وعليه: فكيف يدعو موسى فرعونَ إلى الإيمان بشيء هو ينكر أصله؟!. بمعنى: لو طلبت من صديقك أن يقر بأن له ثلاثة من الأبناء، اسم الأول: محمد، والثاني: أحمد، والثالث: محمود. وهو لم يتزوج بعد! هل يكون هذا من التعقل في شيء! اقراره بذلك مرتبط بكونه متزوجًا! فالتزوج شرط لوجود هؤلاء الثلاثة الأبناء. فكذلك لن يقر فرعون بوجود الله في مكان-لو كان موسى يدعوه إلى ذلك-إلا إذا كان مقرًا بوجود الله أصلاً! وهو-كما قلت آنفاً-باطل، لأنه يلزم منه الدور.
وكما قلت آنفاً أنه ليس هناك آية تدل-صراحة أو تلميحا-على أن موسى قال: أن ربه في السماء. لكن هناك آية تخبر أن فرعون سأل موسى عن رب العالمين!، فأجابه موسى: بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما. وعليه: فإما أن فرعون فهم من هذه الآية أن موسى قال أن ربه في السماء. وإما أنه تعمد«الاستحمار»، حتى ينصب مكيدة لموسى، فيقول لبني اسرائيل: قد زعم موسى أن ربه في السماء. وعندما بحثت عنه هناك، فلم أجده! فهل صدقتموني أن موسى كذاب مجنون؟!
وكون فرعون فهم من إجابة موسى أن الله في السماء، أو تعمد عدم الفهم، لا يلزم أحدًا من المسلمين بتاتًا.
وأمر آخر، جامع لكل ما تقدم، وهو: إما أن الله أرسل موسى لفرعون ليؤمن بوجوده. وإما أن الله أرسل موسى لفرعون ليؤمن فرعون بمكان الله. فإن كان الأول-وهو الحق-فلا خلاف فيه. وإن كان الثاني، فيلزم من القول به ضرورةً القول: بأن فرعون مؤمن بوجود الله. وعليه فيكون موسى قد أرسل إلى بني اسرائيل ليؤمنوا بمكان الله لا غير، أما الإيمان بوجود الله، فهم مؤمنون به قبل أن يوجد موسى. فإن كان موسى قد دعا فرعون للإيمان بوجود الله، فقد خالف ما أُمر به، وهو دعوة فرعون للإيمان بمكان الله. والله تعالى يخبر في القرآن أن موسى دعا فرعون للإيمان بإلوهية الله. ولم يشر في آية واحدة أو جزء من آية أن موسى دعا فرعون للإيمان بمكان الله، مع أن الله تحدث عن موسى كثيرًا في كتابه، إلا أنه لم يذكر أنه دعا فرعون للإيمان بمكان الله، ومع أن هذا الأمر ضروري الذكر، لأنه«الغاية»التي من أجلها بعث موسى. وعدم ذكر الله لهذه الغاية، فإنه دليل على أن الإيمان بها لا أهمية له. ولو كان الإيمان بها ضروريًا لذكره الله في كتابه، ولأخبر به النبي-صلى الصلاة والسلام-. وحينئذ فلا يصنف فرعون في قائمة الكافرين. لأنه مؤمن بوجود الله، منكر لمكانه. والله أخبر في كتابه أن الإيمان بوجوده واجب على كل إنسان. ولم يذكر أن الإيمان بمكانه واجب، أو حتى جائز أصلًا! ويلزم من هذا القول بظلم الله لفرعون-واستغفر الله!-، وأن الله غير عادل!
فيجب أن يكون الله أرسل موسى ليؤمن فرعون بوجوده، وأن هناك من هو أعظم منه. وإخبار موسى لفرعون أن ربه في السماء-على فرضية صحته-، لا يخلو من أمرين: إما أن المقصود به«مكان الله». وإما: أنه يعود للكلام عن أمر من لوازم الإلوهية، وهو القهر. والأول باطل-كما تقدم-. فوجب أن يكون الثاني. فالمكان لا يدل على اتصاف الله بالقهر، حتى يخاف فرعون من الله ويؤمن به. ولو كان المكان لازمًا للإلوهية بنظر فرعون، لما عاد إلى الأرض، بعد أن بنى صرحًا!
وعلى هذا«رجع السحر على الساحر»، فصار دليلًا للأشاعرة على أن الكمال في العلو المعنوي، وليس في العلو الحسي.
وحتى أؤكد لك ما أقوله: اعلم أنه لم يقل أحد من المسلمين أن الله في السماء الدنيا فقط. فقالت الحلولية: أن الله في الأرض، وفي السماء، وعلى العرش، وفي كل مكان. وقالت الحشوية: أن الله فوق العرش، في مكان عدمي فقط. وقالت المنزهة: أن الله لا في مكان. ولابد أن أبا عثمان الصابوني موافق لطائفة من هذه الطوائف. فأما الحلولية، فقد نبذ معتقدهم، وذلك عنه مشهور، معلوم، بل حتى أنهم لم يزعموا أنه على معتقدهم. وأما الحشوية فقد زعموا أن أبا عثمان على ما هم عليه، وأن مذهبهم هو مذهب السلف الصالح. وفرعون عندما أراد الاطلاع إلى السماء، لم يكن يقصد ما فوق السماء، المكان العدمي، ولم يكن يقصد ما هو تحت العرش مباشرة، بل كان مراده الاطلاع إلى السماء الدنيا-وهذا الأمر واضح-. وكون الله حالًا في السماء الدنيا، لا يوافق معتقد الحشوية، ولا الحلولية. ولن يعترف أحد من هؤلاء أن موسى قال لفرعون: أن ربه في السماء الدنيا. لأن ذلك يقتضي مخالفتهم لنبي من أنبياء الله. فلزم-ضرورة-أن يكون المقصود من قول موسى-عليه السلام-السماء بالمعنى المعنوي، الملازم للإلوهية. وهذا هو قول المنزهة، منهم الأشاعرة، فقول الصابوني هذا لا يدل صراحة على مخالفته للأشعرية كما تبين لنا.
وأما الأمر الثاني الذي تضمنه كلام الصابوني، أن المسلمين لم يختلفوا في كون الله على عرشه، فهو حق، ولا إشكال فيه.
*وهناك ما تمسكوا به غير ما سبق ذكره، وسيأتي-وربما قد تقدم-تفنيد بعض ذلك إن شاء الله.


مُحَمَّـد بن قايد الشافعي.
(١٤٤٢/٦/١٩هـ).
ــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[١]|[(١/٤٠٧)].
[٢]|[(٩/٧٣٤)].
[٣]|[(٤/٢٧١)].
[٤]|[تبيين كذب المفتري(١/١١٢-١١٤)].
[٥]|[طبقات الشافعية الكبرى(٥/١٣٧)]،[طبقات الشافعيين(١/٣٩٣)].
[٦]|[عقيدة السلف].
[٧]|[طبقات الشافعية الكبرى(٤/٢٧٤)].
[٨]|[طبقات الشافعيين(١/٤٠٧)].
[٩]|[عقيدة السلف].
[١٠]|[ذم الكلام وأهله].
[١١]|[تبيين كذب المفتري(١/٣٨٩)].
[١٢]|[العلو للعلي الغفار(١/٢٤٧)].
[١٣]|[عقيدة السلف].
[١٤]|[المصدر السابق].
[١٥]|[المصدر السابق].
[١٧]|[طبقات الشافعية الكبرى(٤/٢٨٧)].
[١٨]|[تبيين كذب المفتري(١٠٨)].
[١٩]|[عقيدة السلف].
[٢٠]|[المصدر السابق].

اترك رد