فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب

حاشية العبادي على شرح المنهج

حاشية الزيادي على شرح المنهج

حاشية الحلبي على شرح المنهج

حاشية الشوبري على شرح المنهج

حاشية البرماوي على شرح المنهج

حاشية المصري على شرح المنهج

ختم الديري على شرح المنهج

حاشية الجمل على شرح المنهج

حاشية الونائي على شرح المنهج

حاشية البجيرمي على شرح المنهج

تقريرات المرصفي على حاشية البجيرمي على شرح المنهج

تقريرات الطلاوي على حاشية البجيرمي على شرح المنهج

 


قَالَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ، شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ، مَلِكُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، سِيبَوَيْهِ زَمَانِهِ، فَرِيدُ عَصْرِهِ، وَوَحِيدُ دَهْرِهِ، حُجَّةُ النَّاظِرِينَ، لِسَانُ المُتَكَلِّمِينَ، مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ، زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافَعِيّ -تَغَمَّدَهُ الله بِرَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ، وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ-[1]:

[المقدمة]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الوقفة الأولى – الحزب الأول

الْحَمْدُ لِله عَلَى أَفْضَالِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَصَحْبِهِ وَآلِهِ[2]. وَبَعْدُ: فَقَدْ كُنْت اخْتَصَرْت (مِنْهَاجَ الطَّالِبِينَ) فِي الْفِقْهِ تَأْلِيفَ الْإِمَام شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى مُحْيِي الدِّينِ (النَّوَويّ) -رَحِمَهُ الله- فِي كِتَابٍ سَمَّيْتُهُ بِـ: (مَنْهَجِ الطُّلَّابِ)[3]. وَقَدْ سَأَلَنِي بَعْض الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ، مِنْ الْفُضَلَاءِ المُتَرَدِّدِينَ إِلَيَّ؛ أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا يَحُلُّ أَلْفَاظَهُ، وَيُجِلُّ حُفَّاظَهُ، وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ؛ فَأَجَبْتُهُ إِلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ الْقَادِرِ الْمَالِكِ؛ وَسَمَّيْتُهُ: بِـ(فَتْحِ الْوَهَّابِ بِشَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ). وَاَللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الوكيل. (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ: أُؤَلِّفُ. وَالاِسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ؛ وَهُوَ: الْعُلُوُّ. وَ(اللهُ) عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ. وَ(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ؛ مِنْ “رَحِمَ”. وَ(الرَّحْمَنُ) أَبْلَغُ مِنْ (الرَّحِيمِ) لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى؛ كَمَا فِي: “قَطَعَ” وَ”قَطَّعَ”؛ وَلِقَوْلِهِمْ: “رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ”؛ وَقِيلَ: رَحِيمُ الدُّنْيَا. (الْحَمْدُ لِله الَّذِي هَدَانَا) أَيْ: دَلَّنَا (لِهَذَا) التَّأْلِيفِ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ). وَ(الحَمْدُ) لُغَةً: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ؛ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ. وَعُرْفًا: فِعْلٌ يُنَبِّئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ؛ مِنْ حَيثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ. وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ؛ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعَمَلًا بِخَبَرِ: “كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِـ”بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم””، وَفِي رِوَايَةٍ: “بِالْحَمْدُ لِله فَهُوَ أَجْذَمُ” أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ (ابْنُ الصَّلَاحِ) وَغَيْرُهُ، وَجَمَعْتُ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا؛ إِذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ؛ فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالْإِضَافِيُّ حَصَلَ بِالْحَمْدَلَةِ. وَقَدَّمْتُ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ. وَ(الْحَمْدُ) مُخْتَصٌّ بِاَللهِ تَعَالَى؛ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ؛ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ “أَلْ” فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَمْ لِلْجِنْسِ، أَمْ للعهد. (وَالصَّلَاةُ) وَهِيَ مِنْ الله: رَحْمَةٌ. وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ: اسْتِغْفَارٌ. وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ: تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ. (وَالسَّلَامُ) بِمَعْنَى: التَّسْلِيمِ (عَلَى مُحَمَّد) نَبِيِّنَا (وَآلِهِ) هُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ (وَصَحْبِهِ) هُوَ -عِنْدَ سِيبَوَيْهِ-: جَمْعٍ لِـ”صَاحِبٍ” بِمَعْنَى: الصَّحَابِيِّ؛ وَهُوَ: مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد -صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَعَطْفُ الصَّحْبِ عَلَى الآلِ الشَّامِلِ لِبَعْضِهِمْ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاقِيَهُمْ. وَجُمْلَتَا: (الْحَمْدِ) وَ(الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا، إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنَى. وَاخْتَرْتُ اسْمِيَّتَهُمَا عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ. (الْفَائِزِينَ مِنْ اللهِ بِعُلَاهُ) صِفَةٌ لِمَنْ ذُكِرَ. (وَبَعْدُ) يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى آخَرَ. وَأَصْلُهَا: “أَمَّا بَعْدُ” بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ “أَمَّا” مَعْنَى الشَّرْطِ. وَالْأَصْلُ: “مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ” الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ. (فَهَذَا) الْمُؤَلَّفُ الحَاضِرُ ذِهْنًا (مُخْتَصَرٌ) مِنْ الاخْتِصَارِ، وَهُوَ: تَقْلِيلُ اللَّفْظِ، وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى. (فِي الْفِقْهِ) وَهُوَ لُغَةً: الْفَهْمُ. وَاصْطِلَاحًا: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ. وَمَوْضُوعُهُ: أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيثُ عُرُوضُ الْأَحْكَامِ لَهَا. وَاسْتِمْدَادُهُ: مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَسَائِرِ الْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ. وَفَائِدَتُهُ: امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى، وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ؛ الْمُحَصِّلَانِ لِلْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ. (عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَام) الْمُجْتَهِدِ أَبِي عَبْدِ الله مُحَمَّد بْنِ إدْرِيسَ (الشَّافَعِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ-) أَيْ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ، مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ. (اخْتَصَرْت فِيهِ مُخْتَصَرَ الْإِمَام أَبِي زَكَرِيَّا (النَّوَويّ) -رَحِمَهُ الله- (الْمُسَمَّى بِـ(مِنْهَاجِ الطَّالِبينَ)، وَضَمَمْتُ إلَيْهِ مَا يُسِّرَ، مَعَ إبْدَالِ غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ بِهِ) أَيْ: بِالْمُعْتَمَدِ (بِلَفْظٍ مُبِينٍ)، وَسَأُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا فِي مَحَالِّهِ، (وَحَذَفْتُ مَنْهُ الخِلَافَ رَوْمًا) أَيْ: طَالِبًا (لِتَيْسِيرِهِ عَلَى الرَّاغِبِينَ) فِيهِ. (وَسَمَّيْتُهُ: بِـ(مَنْهَجِ الطُّلَّابِ) (الْمَنْهَجُ) وَ(الْمِنْهَاجُ): الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ (رَاجِيًا) أَيْ: مُؤَمِّلًا (مِنْ اللهِ) تَعَالَى (أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ) جَمْعُ: لُبٍّ؛ وَهُوَ: الْعَقْلُ (وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ) وَهُوَ: خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ، وَتَسْهِيلُ سَبِيلِ الْخَيْرِ (لِلصَّوَابِ) أَيْ: لِمَا يُوَافِقُ الْوَاقِعَ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، (وَ) أَسْأَلُهُ (الْفَوْزَ) أَيْ: الظَّفَرَ بِالْخَيْرِ يَوْمَ الْمَآبِ؛ أَيْ: الرُّجُوعِ إِلَى اللهِ؛ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.


[1]  كتب هذه المقدمة وكذا في بقية الكتب ابن شيخ الإسلام الشيخ محب الدين –رضي الله عنهما-. * (بج): ” لَا يُقَالُ: سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَإِنَّمَا يُقَالُ: مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا … وَكَأَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى السَّيِّدِ وَعَلَى الْعَبْدِ وَلَوْ أُخِّرَ عَنْ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ”
[2] (بج): قالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ عَلَى كُلِّ شَارِعٍ فِي تَصْنِيفٍ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: الْبَسْمَلَةُ، وَالْحَمْدَلَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ، – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالتَّشَهُّدُ، وَيُسَنُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تَسْمِيَةُ نَفْسِهِ وَتَسْمِيَةُ كِتَابِهِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ. اهـ (عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ)
[3] (بج): نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي حِلٍّ مَنْ قَالَ عَنِّي مُحْيِي الدِّينِ وَهَذَا مِنْ وَرَعِهِ وَتَوَاضُعِهِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ (ح ل)