. كِتَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ (أوله 5 قف، فيه 10 قف، 2 فصل)
الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ قَطُّ إِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ لِذِمِّيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَهُمْ إِحْيَاؤُهَا، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَذُبُّونَ المُسْلِمِينَ عَنْهَا. وَمَا كَانَ مَعْمُورًا فَلِمَالِكِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَالْعِمَارَةُ إِسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ ضَائِعٌ، وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ[1] أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ المَعْمُورِ، وَهُوَ مَا تَمَسُّ الحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ.§ فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ: النَّادِي وَمُرْتَكَضُ الخَيْلِ وَمُنَاخُ الْإِبِلِ وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا. وَحَرِيمُ الْبِئْرِ فِي المَوَاتِ: مَوْقِفُ النَّازِحِ، وَالحَوْضُ وَالدُّولَابُ، وَمُجْتَمَعُ المَاءِ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ. وَحَرِيمُ الدَّارِ فِي المَوَاتِ: مَطْرَحُ رَمَادٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ وَمَمَرٌّ فِي صَوْبِ الْبَابِ. وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ: مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ الِانْهِيَارُ. وَالدَّارُ المَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لَا حَرِيمَ لَهَا،§ وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، وَالْأَصَحُّ[2]: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارَهُ المَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا، وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ إِذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمَ الجُدْرَانَ. وَيَجُوزُ إِحْيَاءُ مَوَاتِ الحَرَمِ دُونَ عَرَفَاتٍ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى كَعَرَفَةَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَخْتَلِفُ الْإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ؛ فَإِنْ أَرَادَ: مَسْكَنًا اشْتُرِطَ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ وَسَقْفُ بَعْضِهَا وَتَعْلِيقُ بَابٍ، وَفِي الْبَابِ وَجْهٌ[3]. أَوْ زَرِيبَةَ دَوَابَّ؛ فَتَحْوِيطٌ لَا سَقْفٌ، وَفِي الْبَابِ الْخِلَافُ.§ أَوْ مَزْرَعَةً؛ فَجَمْعُ التُّرَابِ حَوْلَهَا وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَتَرْتِيبُ مَاءٍ لَهَا إِنْ لَمْ يَكْفِهَا المَطَرُ المُعْتَادُ، لَا الزِّرَاعَةُ فِي الْأَصَحِّ[4]. أَوْ بُسْتَانًا؛ فَجَمْعُ التُّرَابِ وَالتَّحْوِيطُ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ، وَيُشْتَرَطُ الْغَرْسُ عَلَى المَذْهَبِ[5]. وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إِحْيَاءٍ وَلَمْ يُتِمَّهُ، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لَكِنِ الْأَصَحُّ[6]: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ.§ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: (أَحْيِ أَوِ اتْرُكْ)، فَإِنِ اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً. وَلَوْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا صَارَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ كَالمُتَحَجِّرِ. وَلَا يُقْطِعُ إِلَّا قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ، وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا المُتَحَجِّرُ. وَالْأَظْهَرُ[7]: أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَصَدَقَةٍ وَضَالَّةٍ وَضَعِيفٍ عَنِ النُّجْعَةِ، وَأَنَّ لَهُ نَقْضَ حِمَاهُ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ.§
1. فَصْلٌ (2 قف)
مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ: المُرُورُ، وَيَجُوزُ الجُلُوسُ بِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا إِذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى المَارَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ، وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ بِبَارِيَّةٍ وَغَيْرِهَا. وَلَوْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ أُقْرِعَ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ. وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ أَوْ مُنْتَقِلًا إِلَى غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ إِلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ.§ وَمَنْ أَلِفَ مِنَ المَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ وَيُقْرِئُ كَالجَالِسِ فِي شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ، وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلِ اخْتِصَاصُهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ[8] وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إِزَارَهُ. وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهٍ لَمْ يُزْعَجْ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ.§
2. فَصْلٌ (3 قف)
المَعْدِنُ الظَّاهِرُ؛ وَهُوَ: مَا خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَاءَ وَبِرَامٍ وَأَحْجَارِ رَحًى لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ وَلَا إِقْطَاعٍ. فَإِنْ ضَاقَ نَيْلُهُ قُدِّمَ السَّابِقُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً فَالْأَصَحُّ[9] إِزْعَاجُهُ. فَلَوْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ فِي الْأَصَحِّ[10]. وَالمَعْدِنُ الْبَاطِنُ؛ وَهُوَ: مَا لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ لَا يُمْلَكُ بِالحَفْرِ وَالْعَمَلِ فِي الْأَظْهَرِ[11]. وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ مَلَكَهُ.§ وَالْمِيَاهُ المُبَاحَةُ مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهِمْ مِنْهَا فَضَاقَ سُقِيَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ المَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا المَاءِ فِي إِنَاءٍ مُلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ[12].§ وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْتَحِلَ. وَالمَحْفُورَةُ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ يُمْلَكُ مَاؤُهَا فِي الْأَصَحِّ[13]، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ، وَيَجِبُ لِمَاشِيَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ[14]. وَالْقَنَاةُ المُشْتَرَكَةُ يُقْسَمُ مَاؤُهَا بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عَرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَلَهُمُ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً.§