كتاب الصلاة

كِتَابُ الصَّلَاةِ

المَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ: الظُّهْرُ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ: زَوَالُ الشَّمْسِ. وَآخِرُهُ: مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ. وَهُوَ: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ. وَالِاخْتِيَارُ: أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ. وَالمَغْرِبُ: بِالْغُرُوبِ، وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الجَدِيدِ: يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الأحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْعِشَاءُ: بِمَغِيبِ الشَّفَقِ، وَيَبْقَى إِلَى الْفَجْرِ. وَالِاخْتِيَارُ: أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفِهِ. وَالصُّبْحُ: بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ، وَهُوَ المُنْتَشِرُ ضَوْؤُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَالِاخْتِيَارُ: أَلَّا تُؤَخَّرَ عَنِ الْإِسْفَارِ. قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ المَغْرِبِ عِشَاءً، وَالْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، وَالحَدِيثُ بَعْدَهَا إِلَّا فِي خَيْرٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفِي قَوْلٍ: تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ. وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ. وَالْأَصَحُّ: اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ، وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ. وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ رَكْعَةٌ فَالجَمِيعُ أَدَاءٌ، وَإِلَّا فَقَضَاءٌ. وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ، وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إِلَّا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، وَالْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، إِلَّا لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ، وَكُسُوفٍ، وَتَحِيَّةٍ، وَسَجْدَةِ شُكْرٍ، وَإِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ.

فَصْلٌ

إِنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى الكَافِرِ إِلَّا المُرْتَدَّ، وَلَا الصَّبِيِّ، وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَلَا ذِي حَيْضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، بِخِلَافِ السُّكْرِ. وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ، وَبَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ. وَالْأَظْهَرُ: وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ الْعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ آخِرَ الْعِشَاءِ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بَعْدَهَا فَلَا إِعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَبَتْ تِلْكَ إِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا فَلَا.

فَصْلٌ

الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ: سُنَّةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ. وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. وَالجَدِيدُ: نَدْبُهُ لِلْمُنْفَرِدِ. وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إِلَّا بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الجَدِيدِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى. وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ، لَا الْأَذَانُ عَلَى المَشْهُورِ. وَالْأَذَانُ مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إِلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ. وَيُسَنُّ إِدْرَاجُهَا وَتَرْتِيلُهُ وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْحِ وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ. وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَمُوَالَاتُهُ، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ. وَشَرْطُ المُؤَذِّنِ: الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالذُّكُورَةُ. وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ، وَلَلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ. وَيُسَنُّ: صَيِّتٌ، حَسَنُ الصَّوْتِ، عَدْلٌ. وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَشَرْطُهُ: الْوَقْتُ، إِلَّا الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَيُسَنُّ: مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ. وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ، إِلَّا فِي حَيْعَلَاتِهِ، فَيَقُولُ: (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ). قُلْتُ: وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ: (صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ)، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ، ثُمَّ: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ).

فَصْلٌ

اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْقَادِرِ، إِلَّا فِي شِدَّةِ الخَوْفِ وَنَفْلِ السَّفَرِ. فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى المَشْهُورِ. فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ، وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَخْتَصُّ بِالتَّحَرُّمِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي السَّلَامِ أَيْضًا. وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ طَرِيقِهِ إِلَّا إِلَى الْقِبْلَةِ. وَيُومِئُ بِرُكُوعِهِ، وَسُجُودُهُ أَخْفَضَ. وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ المَاشِيَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إِحْرَامِهِ، وَلَا يَمْشِي إِلَّا فِي قِيَامِهِ وَتَشَهُّدِهِ. وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ، وَاسْتَقْبَلَ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ، أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا. وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ جَازَ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالِاجْتِهَادُ، وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنْ فَقَدَ وَأَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ حَرُمَ التَّقْلِيدُ، فَإِنْ تَحَيَّرَ لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ، وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ وَيَقْضِي. وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الِاجْتِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ كَأَعْمَى قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا، وَإِنْ قَدَرَ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ فَيَحْرُمُ التَّقْلِيدُ. وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَتَيَقَّنَ الخَطَأَ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمِلَ بِالثَّانِي وَلَا قَضَاءَ، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا قَضَاءَ.

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: النِّيَّةُ. فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينُهُ. وَالْأَصَحُّ: وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْإِضَافَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ. وَالنَّفْلُ ذُو الْوَقْتِ أَوِ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ، وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ المُطْلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ. وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ، وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ. الثَّانِي: تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ. وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَادِرِ: (اللهُ أَكْبَرُ) وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ كَـ(اللهُ الْأَكْبَرُ) وَكَذَا (اللهُ الجَلِيلُ أَكْبَرُ) فِي الْأَصَحِّ، لَا (أَكْبَرُ اللهُ) عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ عَجَزَ تَرْجَمَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إِنْ قَدَرَ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَالْأَصَحُّ: رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ. وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِأَوَّلِهِ. الثَّالِثُ: الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ. وَشَرْطُهُ: نَصْبُ فَقَارِهِ. فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا أَوْ مَائِلًا بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ لَمْ يُطِقِ انْتِصَابًا، وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إِنْ قَدَرَ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إِمْكَانِهِ. وَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ، وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَنْحَنِيَ لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ. وَالْأَكْمَلُ: أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ صَلَّى لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِيًا. وَلِلْقَادِرِ التَّنَفُّلُ قَاعِدًا، وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ. الرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ. وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ التَّعَوُّذُ، وَيُسِرُّهُمَا، وَيَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى المَذْهَبِ، وَالْأُولَى آكَدُ. وَتَتَعَيَّنُ (الْفَاتِحَةُ) فِي كُلَّ رَكْعَةٍ، إِلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ، وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا، وَتَشْدِيدَاتُهَا. وَلَوْ أَبْدَلَ: (ضَادًا) بِـ(ظَاءٍ) لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا وَمُوَالَاتُهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ قَطَعَ المُوَالَاةَ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَيَقْطَعُ السُّكُوتُ الطَّوِيلُ، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فَسَبْعُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُتَفَرِّقَةٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ: جَوَازُ المُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ عَجَزَ أَتَى بِذِكْرٍ، وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ. وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ: (آمِينَ)، خَفِيفَةَ الْمِيمِ بِالمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إِمَامِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، إِلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: فَإِنْ سُبِقَ بِهِمَا قَرَأَهَا فِيهِمَا عَلَى النَّصِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ، فَإِنْ بَعُدَ أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً قَرَأَ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ المُفَصَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ، وَلِصُبْحِ الجُمُعَةِ فِي الأُولَى: {الم تَنْزِيلُ}، وَفِي الثَّانِيَةِ: {هَلْ أَتَى}. الخَامِسُ: الرُّكُوعُ. وَأَقَلُّهُ: أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بِطُمَأْنِينَةٍ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هَوِيِّهِ، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَوُ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ. وَأَكْمَلُهُ: تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ، وَنَصْبُ سَاقَيْهِ، وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هَوِيِّهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ، وَيَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) ثَلَاثًا، وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ، وَيَزِيدُ المُنْفَرِدُ: (اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي). السَّادِسُ: الِاعْتِدَالُ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا، وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ قَائِلًا: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ: (رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)، وَيَزِيدُ المُنْفَرِدُ: (أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ). وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ وَهُوَ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ…) إِلَى آخِرِهِ، وَالْإِمَامُ بِلَفْظِ الجَمْعِ. وَالصَّحِيحُ: سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِهِ، وَرَفْعُ يَدَيْهِ، وَلَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ، وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ المَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ. وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ المَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ لَا مُطْلَقًا عَلَى المَشْهُورِ. السَّابِعُ: السُّجُودُ. وَأَقَلُّهُ: مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ جَازَ إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ ورَكُبْتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ ثِقَلُ رَأْسِهِ، وَأَلَّا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ وَجَبَ الْعَوْدُ إِلَى الِاعْتِدَالِ، وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ. وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ لِهَوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ، وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، وَيَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى) ثَلَاثًا، وَيَزِيدُ المُنْفَرِدُ: (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ) وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، فِي رُكُوعِهِ وُسُجُودِهِ، وَتَضُمُّ المَرْأَةُ وَالخُنْثَى. الثَّامِنُ: الجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا. وَيَجِبُ أَلَّا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ، وَأَلَّا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ. وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، وَاضِعًا يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ قَائِلًا: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي، وَارْزُقْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي). ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى. وَالمَشْهُورُ: سَنُّ جَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا. التَّاسِعُ، وَالْعَاشِرُ، وَالحَادِي عَشَرَ: التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إِنْ عَقَبَهُمَا سَلَامٌ فَرُكْنَانِ، وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ. وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ، وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ. وَفِي الْآخِرِ التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجْ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ، وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ. وَالْأَصَحُّ: يَفْتَرِشُ المَسْبُوقُ وَالسَّاهِي. وَيَضَعُ فِيهِمَا يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِ مَنْشُورَةَ الْأَصَابِعِ بِلَا ضَمٍّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الضَّمُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ، وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ، وَيُرْسِلُ المُسَبِّحَةَ، وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: (إِلَّا اللهُ) وَلَا يُحَرِّكُهَا. وَالْأَظْهَرُ: ضَمُّ الْإِبْهَامِ إِلَيْهَا كَعَاقِدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ. وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالْأَظْهَرُ: سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ، وَلَا تُسَنُّ عَلَى الْآلِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُسَنُّ فِي الْأَخِيرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ. وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ. وَأَقَلُّهُ: (التَّحِيَّاتُ للهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)، وَقِيلَ: يَحْذِفُ: (وَبَرَكَاتُهُ) وَ(الصَّالِحِينَ)، وَيَقُولُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ). قُلْتُ: الْأَصَحُّ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) وَثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ)، وَالزِّيَادَةُ إِلَى (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) سُنَّةٌ فِي الْآخِرِ، وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَمَأْثُورُهُ أَفْضَلُ وَمِنْهُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ…) إِلَى آخِرِهِ. وَيُسَنُّ أَلَّا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَرْجَمَ، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ المَنْدُوبِ الْعَاجِزُ لَا الْقَادِرُ فِي الْأَصَحِّ. الثَّانِي عَشَرَ: السَّلَامُ. وَأَقَلُّهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ). وَالْأَصَحُّ: جَوَازُ: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ). قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ: لَا يُجْزِئُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الخُرُوجِ. وَأَكْمَلُهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ) مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا، مُلْتَفِتًا فِي الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْمَنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَيْسَرُ، نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ. وَيَنْوِي الْإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى المُقْتَدِينَ، وَهُمُ الرَّدَّ عَلَيْهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ المَتْرُوكِ لَغْوٌ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ، وَإِلَّا تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ. فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنَ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَكَذَا إِنْ شَكَّ فِيهِمَا. وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ؛ فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ سَجَدَ، وَقِيلَ: إِنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ، وَإِلَّا فَيَجْلِسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ. وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٍ فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٍ فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ. قُلْتُ: يُسَنُّ إِدَامَةُ نَظَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ. وَعِنْدِي: لَا يُكْرَهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا. وَالخُشُوُعُ وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ. وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ وَفَرَاغِ قَلْبٍ. وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ. وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ. وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ. وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا. وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ، وَأَفْضَلُهُ: إِلَى بَيْتِهِ. وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ، وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِلَّا فَيَمِينَهُ. وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ، فَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلَوِ اقْتَصَرَ إِمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

بَابٌ

شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ: مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ، وَالِاسْتِقْبَالُ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ. وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ: مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالحُرَّةِ: مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَشَرْطُهُ: مَا مَنَعَ إِدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشْرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ، وَالْأَصَحُّ: وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ. وَيَجِبُ: سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ، فَلْيَزُرُّهْ أَوْ يَشُدَّ وَسْطَهُ، وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُمَا، أَوْ أَحَدِاهِمَا فَقُبُلَهُ، وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. وَطَهَارَةُ الحَدَثِ، فَإِنْ سَبَقَهُ بَطَلَتْ. وَفِي الْقَدِيمِ: يَبْنِي، وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الحَالِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا بَطَلَتْ. وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالمَكَانِ، وَلَوِ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ اجْتَهَدَ، وَلَوْ نَجُسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ وَجُهِلَ وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ، فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجِسٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَغَيْرُ المُنْتَصِفِ. وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجِسٍ إِنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ مُطْلَقًا. وَلَا يَضُرُّ نَجِسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجِسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ فَمَعْذُورٌ، وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا، قِيلَ: وَإِنْ خَافَ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ، وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَطِينُ الشَّارِعِ المُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالْأَصَحُّ: لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ، وَلَا قَلِيلٍ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ، وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ: الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: إِنْ عَصَرَهُ فَلَا. وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، قِيلَ: كَالْبَثَرَاتِ. وَالْأَصَحُّ: إِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا فَكَالِاسْتِحَاضَةِ، وَإِلَّا فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَظْهَرُ: الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ، وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: المَذْهَبُ: طَهَارَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الجَدِيدِ، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى المَذْهَبِ.

فَصْلٌ

تَبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ، أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ، وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الْأَصَحِّ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّ التَّنَحْنُحَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ وَالْأَنِينَ وَالنَّفْخَ إِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إِنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، لَا كَثِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ، لَا الجَهْرِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَـ{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} إِنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إِلَّا أَنْ يُخَاطِبَ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: (يَرْحَمُكَ اللهُ). وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا بِلَا غَرَضٍ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ كَتَنْبِيهِ إِمَامِهِ وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى أَنْ يُسَبِّحَ، وَتُصَفِّقَ المَرْأَةُ بِضَرْبِ الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ. وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا، إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا بَطَلَتْ إِلَّا أَنْ يَنْسَى، وَإِلَّا فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ لَا قَلِيلِهِ، وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، فَالخَطْوَتَانِ أَوِ الضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ، وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ إِنْ تَوَالَتْ. وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ، لَا الحَرَكَاتِ الخَفِيفَةِ المُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سُبْحَةٍ أَوْ حَكٍّ فِي الْأَصَحِّ. وَسَهْوُ الْفِعْلِ الكَثِيرِ كَعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الْأُكْلِ. قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ، فَبَلِعَ ذَوْبَهَا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي إِلَى جِدَارٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةٍ أَوْ بَسَطَ مُصَلًّى أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ دَفْعُ المَارِّ، وَالصَّحِيحُ: تَحْرِيمُ المُرُورِ حِينَئِذٍ. قُلْتُ: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ لَا لِحَاجَةٍ، وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَالْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ، وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا، أَوْ بَحَضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ، وَالمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ فِي رُكُوعِهِ، وَالصَّلَاةُ فِي الحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ وَالمَزْبَلَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَعَطَنِ الْإِبِلِ وَالمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

سُجُودُ السَّهْوِ: سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. فَالْأَوَّلُ إِنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ بَعْضًا؛ وَهُوَ: الْقُنُوتُ، أَوْ قِيَامُهُ، أَوِ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، أَوْ قُعُودُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ سَجَدَ، وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَ عَمْدًا فَلَا. قُلْتُ: وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ. وَالثَّانِي: إِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ كَالِالْتِفَاتِ وَالخَطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، وَإِلَّا سَجَدَ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ كَكَلَامٍ كَثِيرٍ فِي الْأَصَحِّ. وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، فَالِاعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَـ(فَاتِحَةٍ) فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا: مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ. وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلًا فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وِلِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ: عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إِنْ كَانَ صَارَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ: بَطَلَتْ إِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. وَلَو نَسِيَ قُنُوتًا: فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ عَادَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ. وَلَوْ شَكَّ: فِي تَرْكِ بَعْضٍ سَجَدَ، أَوِ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ فَلَا. وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ: هَلْ سَجَدَ فَلْيَسْجُدْ. وَلَوْ شَكَّ: أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا. وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إِذَا زَالَ شَكُّهُ. مِثَالُهُ: شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ: أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ فَتَذَكَّرَ فِيهَا لَمْ يَسْجُدْ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ سَجَدَ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى المَشْهُورِ. وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إِمَامُهُ، فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ فَسَلَّمَ، فَبَانَ خِلَافُهُ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا سُجُودَ. وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ إِلَى رَكْعَتِهِ وَلَا يَسْجُدُ. وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ، فَلَوْ سَلَّمَ المَسْبُوقُ بِسَلَامِ إِمَامِهِ بَنَى وَسَجَدَ وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إِمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلَّا فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ. وَلَوِ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ. وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، وَالجَدِيدُ: أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ. فَإِنْ سَلَّم عَمْدًا فَاتَ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَ فِي الجَدِيدِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى النَّصِّ. وَإِذَا سَجَدَ صَارَ عَائِدًا إِلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَو سَهَا إِمَامُ الجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا. وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ.

بَابٌ

تُسَنُّ سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ، وَهُنَّ فِي الجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ؛ مِنْهَا سَجْدَتَا (الحَجِّ) لَا (ص) بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَتَحْرُمُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ. وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالمُسْتَمِعِ، وَتَتَأَكَّدُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ. قُلْتُ: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ، وَالمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إِمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ إِمَامُهُ فَتَخَلَّفَ، أَوِ انْعَكَسَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَمَنْ سَجَدَ خَارِجَ الصَّلَاةِ نَوَى وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ لِلْهُوِيِّ بِلَا رَفْعٍ، وَسَجَدَ كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَرَفَعَ مُكَبِّرًا وَسَلَّمَ. وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا السَّلَامُ فِي الْأَظْهَرِ، وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ. وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا كَبَّرَ لِلْهَوِيِّ وَلِلرَّفْعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ. قُلْتُ: وَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَقُولُ: (سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ). وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي مَجْلِسَيْنِ سَجَدَ لِكُلٍّ، وَكَذَا المَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ، وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ، وَرَكْعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ الْفَصْلِ لَمْ يَسْجُدْ. وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ. وَتُسَنُّ لِهُجُومِ نِعْمَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلَىً أَوْ عَاصٍ، وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي لَا لِلْمُبْتَلَى. وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. وَالْأَصَحُّ: جَوَازُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ عَلَيْهَا قَطْعًا.

بَابٌ

صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً: فَمِنْهُ: الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا، وَبَعْدَ المَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ، وَقِيلَ: لَا رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ. وَالجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ المُؤَكَّدِ، وَقِيلَ: رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ المَغْرِبِ. قُلْتُ: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» الْأَمْرُ بِهِمَا، وَبَعْدَ الجُمُعَةِ أَرْبَعٌ، وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ: الْوِتْرُ. وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ. وَأَكْثَرُهُ: إِحْدَى عَشْرَةَ، وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ، أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ. وَوَقْتُهُ: بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: شَرْطُ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ: سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ يُعِدْهُ، وَقِيلَ: يُشْفِعْهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ. وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ: كُلَّ السَّنَةِ. وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ…) إِلَى آخِرِهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: بَعْدَهُ، وَأَنَّ الجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ: الضُّحَى. وَأَقَلُّهَا: رَكْعَتَانِ. وَأَكْثَرُهَا: اثْنَتَا عَشْرَةَ. وَتَحِيَّةُ المَسْجِدِ رَكْعَتَانِ، وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ، لَا بِرَكْعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْجَنَازَةُ، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ. وَلَوْ فَاتَ النَّفْلُ المُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، لَكِنِ الْأَصَحُّ: تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَأَنَّ الجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ. وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ المُطْلَقِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا، وَإِلَّا فَتَبْطُلُ. فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إِنْ شَاءَ. قُلْتُ: نَفْلُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ آخِرُهُ، وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ. وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا، وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ، وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.