كِتَابُ الصِّيَامِ
يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ بِعَدْلٍ. وَفِي قَوْلٍ: عَدْلَانِ. وَشَرْطُ الْوَاحِدِ: صِفَةُ الْعُدُولِ فِي الْأَصَحِّ، لَا عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ. وَإِذَا صُمْنَا بِعَدْلٍ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً. وَإِذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ دُونَ الْبَعِيدِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْبَعِيدُ: مَسَافَةُ الْقَصْرِ. وَقِيلَ: بِاخْتِلَافِ المَطَالِعِ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ، فَسَافَرَ إِلَيْهِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِي الصَّوْمِ آخِرًا. وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الْبَلَدِ الْآخَرِ إِلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ عَيَّدَ مَعَهُمْ، وَقَضَى يَوْمًا. وَمَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدًا، فَسَارَتْ سَفِينَتُهُ إِلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ.
فَصْلٌ
النِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ، وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ التَّبْيِيتُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّصْفُ الْآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ إِذَا نَامَ ثُمَّ تَنَبَّهَ. وَيَصِحُّ النَّفْلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي قَوْلٍ. وَالصَّحِيحُ: اشْتِرَاطُ حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَيَجِبُ التَّعْيِينُ فِي الْفَرْضِ. وَكَمَالُهُ فِي رَمَضَانَ: أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ للهِ تَعَالَى. وَفِي الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الْخِلَافُ المَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إِنْ كَانَ مِنْهُ، فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَانٍ رُشَدَاءَ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ. وَلَوِ اشْتَبَهَ صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ وَافَقَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ نَقَصَ وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ، وَلَوْ غَلِطَ بِالتَّقْدِيمِ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُهُ، وَإِلَّا فَالجَدِيدُ: وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَلَوْ نَوَتِ الحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ لَيْلًا صَحَّ إِنْ تَمَّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الحَيْضِ، وَكَذَا قَدْرُ الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ.
فَصْلٌ
شَرْطُ الصَّوْمِ: الْإِمْسَاكُ عَنِ الْجِمَاعِ، وَالِاسْتِقَاءَةِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ بَطَلْ. وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا لَوِ اقْتَلَعَ نُخَامَةً وَلَفَظَهَا فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنَ الْفَمِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَوَصَلَتِ الجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ إِلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوِ الدَّوَاءَ. فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالمَثَانَةِ مُفَطِّرٌ بِالِاسْتِعَاطِ أَوِ الْأَكْلِ أَوِ الحُقْنَةِ، أَوِ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ مُفَطِرٌ فِي الْأَصَحِّ. وَشَرْطُ الْوَاصِلِ: كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ، فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ بِتَشَرُّبِ المَسَامِّ، وَلَا الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ، وَكَوْنُهُ بِقَصْدٍ، فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ، أَوْ بَعُوضَةٌ، أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ، وَغَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ. وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنِ الْفَمِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ، أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إِلَى فَمِهِ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ، أَوِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ أَوْ مُتَنَجِّسًا أَفْطَرَ. وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ المَضْمَضَةِ أَوِ الِاسْتِنْشَاقِ إِلَى جَوْفِهِ فَالمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ بَالَغَ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ لَمْ يُفْطِرْ إِنْ عَجَرَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ، وَلَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ، فَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: لَا يُفْطِرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ إِلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: لَا يُفْطِرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْجِمَاعُ كَالْأَكْلِ عَلَى المَذْهَبِ. وَعَنِ الِاسْتِمْنَاءِ، فَيُفْطِرُ بِهِ، وَكَذَا خُرُوجُ المَنِيِّ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ، لَا فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ. وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ، وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ تَرْكُهَا. قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ. وَالِاحْتِيَاطُ أَلَّا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَيَحِلُّ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ إِذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ. قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا وَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ، أَوْ بِلَا ظَنٍّ وَلَمْ يَبِنِ الحَالُ صَحَّ إِنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ، وَبَطَلَ فِي آخِرِهِ. وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الحَالِ، فَإِنْ مَكَثَ بَطَلَ.
فَصْلٌ
شَرْطُ الصَّوْمِ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالنَّقَاءُ عَنِ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَمِيعَ النَّهَارِ. وَلَا يَضُرُّ النَّوْمُ المُسْتَغْرِقُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يَضُرُّ إِذَا أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ نَهَارِهِ. وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْعِيدِ، وَكَذَا التَّشْرِيقُ فِي الجَدِيدِ. وَلَا يَحِلُّ تَطَوُّعُ يَوْمِ الشَّكِّ بِلَا سَبَبٍ، فَلَوْ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ صَوْمُهُ عَنِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَوْ وَافَقَ عَادَةَ تَطَوُّعِهِ، وَهُوَ: يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ، أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ. وَلَيْسَ إِطْبَاقُ الْغَيْمِ بِشَكٍّ. وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ عَلَى تَمْرٍ، وَإِلَّا فَمَاءٍ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ، وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنِ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ، وَنَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ عَنِ الجَنَابَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ الْحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ وَذَوْقِ الطَّعَامِ وَالْعَلْكِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ)، وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ، وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنْ يَعْتَكِفَ لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ.
فَصْلٌ
شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ: الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَإِطَاقَتُهُ. وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ إِذَا أَطَاقَ. وَيُبَاحُ تَرْكُهُ لِلْمَرِيضِ إِذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا، وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا. وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَمَرِضَ أَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَا. وَلَوْ أَصْبَحَ المُسَافِرُ وَالمَرِيضُ صَائِمَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَا الْفِطْرَ جَازَ، وَلَوْ أَقَامَ وَشُفِيَ حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا أَفْطَرَ المُسَافِرُ وَالمَرِيضُ قَضَيَا، وَكَذَا الحَائِضُ، وَالمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ. وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالْإِغْمَاءِ وَالرِّدَّةِ دُونَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالصِّبَى وَالجُنُونِ. وَإِذَا بَلَغَ بِالنَّهَارِ صَائِمًا وَجَبَ إِتْمَامُهُ بِلَا قَضَاءٍ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا، أَوْ أَفَاقَ، أَوْ أَسْلَمَ فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، لَا مُسَافِرًا وَمَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَوْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا فَكَذَا فِي المَذْهَبِ. وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ. وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ.
فَصْلٌ
مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إِثْمَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيَّهُ فِي الجَدِيدِ، بَلْ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ طَعَامٍ، وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ، وَالْوَلِيُّ: كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى المُخْتَارِ، وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًّا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوِ اعْتِكَافٌ لَمْ يُفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الِاعْتِكَافِ قَوْلٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْأَظْهَرُ: وُجُوبُ المُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِلْكِبَرِ. وَأَمَّا الحَامِلُ وَالمُرْضِعُ فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسَيْهِمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، أَوْ عَلَى الْوَلَدِ لَزِمَتَهُمَا الْفِدْيَةُ فِي الْأَظْهَرِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ، لَا المُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إِمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ. وَالْأَصَحُّ: تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إِمْكَانِهِ فَمَاتَ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ، وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ. وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ: الْفُقَرَاءُ أَوِ المَسَاكِينُ، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَجِنْسُهَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ.
فَصْلٌ
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَلَا كَفَّارَةَ: عَلَى نَاسٍ، وَلَا مُفْسِدٍ غَيْرَ رَمَضَانَ، أَوْ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، وَلَا مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ فَبَانَ نَهَارًا، وَلَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ، وَلَا مَنْ زَنَى نَاسِيًا، وَلَا مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ. وَفِي قَوْلٍ: عَنْهُ وَعَنْهَا. وَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَتَلْزَمُ مَنِ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ. وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ. وَحُدُوثُ السَّفَرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا المَرَضُ عَلَى المَذْهَبِ. وَيَجِبُ مَعَهَا قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهِيَ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَلَوْ عَجَزَ عَنِ الجَمِيعِ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا. وَالْأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنِ الصَّوْمِ إِلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إِلَى عِيَالِهِ.
بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
يُسَنُّ: صَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَالخَمِيسِ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، وَتَاسُوعَاءَ، وَأَيَّامِ الْبِيضِ، وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَتَتَابُعُهَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ: إِفْرَادُ الجُمُعَةِ، وَإِفْرَادُ السَّبْتِ، وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرَ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ، وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ. وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا وَلَا قَضَاءَ. وَمَنْ تَلَبَّسَ بِقَضَاءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ إِنْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ.