هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ إِلَّا المَنِيَّ[1]. وَلَوِ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعْدَتِهِ فَخَرَجَ المُعْتَادُ نَقَضَ، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ[2]. أَوْ فَوْقَهَا[3] وَهُوَ مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ[4]. الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ، إِلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ[5]. الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيِ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، إِلَّا مَحْرَمًا فِي الْأَظْهَرِ[6]. وَالمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي الْأَظْهَرِ[7]. وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعْرٌ وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ[8].§ الرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَكَذَا فِي الجَدِيدِ[9]: حَلْقَةُ دُبُرِهِ، لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ[10]. وَيَنْقُضُ: فَرْجُ المَيِّتِ وَالصَّغِيرِ وَمَحَلُّ الجَبِّ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ[11]. وَلَا يَنْقُضُ: رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا. وَيَحْرُمُ بِالحَدَثِ: الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَحَمْلُ المُصْحَفِ وَمَسُّ وَرَقِهِ وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ[12]، وَخَرِيطَةٌ وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ[13]. وَالْأَصَحُّ[14]: حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ وَتَفْسِيرٍ[15] وَدَنَانِيرَ، لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ المُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ[16]. قُلْتُ: الْأَصَحُّ: حِلُّ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا، وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ عَمِلَ بِيَقِينِهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ السَّابِقَ فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي الْأَصَحِّ[17].§
[1] الباب: ما يتوصل منه إلى شيء، ويفصل غالبًا لأمور؛ منها: قرب التعلق لكن مع وجود انفصال بينهما واضح، ومنها: أنه أنشط للطالب من استدامة القراءة. والأسباب جمع سبب، وهو ما يتوصل به إل غيره، والحدث أمر اعتباريٌ، يقوم بأعضاء البدن، يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص. وهذا الباب يقدمه بعضهم ليعرف ما يتوضأ منه، وأخره بعضهم ليعرف ما يبطل به. * وهل قوله أو قول غيره نواقض الوضوء أفضل؟ الأصح قول المصنف، لأن انتهاه غاية لحده ووجوده، فيقال انتهى الوضوء بكذا كما يقال انتهي الصوم بالغروب. * وهل هي أربعة محصورة أم أكثر كما قال (المحاملي)؟ هي أربعة في جمعها وحصرها، فلا يرد قول المحاملي؛ لأنه أدخل في ذلك انقطاع دائم الحدث، وهو لم يرفع حدثه أصلًا فلا يرد، وأدخل نزع الخف؛ والأصح أنه يكفيه غسل رجله، فلا إيراد كذلك، وأدخل الردة، ولكن الردة لا تبطل الوضوء، فلا إيراد، ولا أكل لحم الجزور على المذهب، وينقض بالقديم، وهو غير المعتمد ولو صححه المصنف تقوية للدليل في نظره، فلا إيراد وإن قلنا بندبه خروجًا من الخلاف، وقريب منه غسل المجنون إذا أفاق، وأما قهقهة المصلي فهو مثلهما في الندب، ولا إبطال عندنا بالفصد والحجامة بخلاف غيرنا. * واستثنينا المني لأنه موجب لأعظم الأمرين، فلا يوجب أدنى الأمرين، لوجود الأمر الأدنى مندرج تحت الأعظم. * قوله: “إلا المني” أي: مني الشخص نفسه وحده الخارج منه أول مرة، أما لو خرج منه مني غيره أو مني نفسه ثانيًا وحده فينتقض الوضوء، وعليه ينقض الوضوء بإلقاء جنين جافًا أو مضغة جافة عند حج لأن بعض ذلك من مني الرجل، وخروج مني الغير ينقض، وعند مر لا ينقض لأنه استحال. * وهناك فوائد من استثناء المني هنا؛ منها: أن المحدث حدثًا أصغر، إذا اغتسل للجنابة ففي صحة صلاته خلاف، وأما إذا اغتسل للجنابة لجنابة صحت صلاته بلا خلاف. ومنها: أنه إذا أجنب بلا حدث، فتيمم عند عدم القدرة عن استعمال الماء؛ فله أن يصلي ماذا من الفرائض بتيمم واحد، شريطة أن لم يحدث ولم يقدر على استعمال الماء. * وينقض كل ما خرج من السبيلين سواء كان معتادًا أو غير معتاد أو رطبًا أو جافًا أو غير ذلك.
[2] القول الثاني: لا ينقض؛ لعدم الضرورة.
[3] قال في (الدقائق): أي: فوق السرة. * وقال (عك): قوله: “أو فوقها” أي: فوق أسفل المعدة.
[4] القول الثاني: ينقض؛ لأنه قام مقامه. * تنبيه مهم: قول الطب لا يعارض به قول الفقهاء أبدًا؛ فإن كلام الطب ظني، وكلام الفقهاء حكم شرعي؛ فيبقى الحكم الشرعي ولو تغير الحكم الطبي. * ومن كان له ذكران أو دبران أو قبلين أو ذكر وقبل، فالأصلي له حكم الأصلي مطلقًا. * فخلاصة هذه الصور: 1. الانسداد الخلقي: ينقض من أي مكان خرج منه عند (حج)، وعند (م ر) من غير المنافذ، فالفارق بينهما، أن (حج) يقول من أي مكان خرج، و(م ر) يقول من أي مكان سواء المنسد. 2. الانسداد العارض: ينقض ما يخرج من تحت السرة. 3. الانفتاح الأصلي مع انفتاح عارض: فلا ينقض إلا بما خرج من الأصلي.
[5] فيدخل في ذلك: الجنون والسكر والإغماء والنوم غير ما وصف، لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجلسون فينامون وهم ينظرون النبي –صلى الله عليه وسلم–، ووصفوا مرة بأنهم يجلسون وكأن على رؤوسهم الطير، فالجلوس مع تمكن يمنع من خروج الخارج، ويعلم الجالس المعتدل أمن الخروج، ولكن إن نبه على خلاف ذلك عمل بقول الثقة، وأما الهزيل أو السمين فلا يحترز بجلسة غالبًا. * وهل النوم ناقض بذاته للوضوء؟ قاله (البويطي) في مختصره، وهو اختيار (المزني)؛ لكن المعتمد الصحيح أن النوم ليس حدث بذاته فليس بناقض بذاته، لكنه مظنة الحدث، لقوله صلى الله عليه وسلم: “فإنه لا يدري أين باتت يده”، ولذلك لا يستثنى من النوم سوى جلوس المعتدل على مقعده. * فالخلاصة: 1. النوم في هيئة المتمكن من الأرض، 2. وكان النوم بحيث يقوم على ذات حالته وإذا تحرك انتبه، 3. أن يكون الشخص معتدل الخلقة، 4. أن لا يخبره معصومٍ بأن نقض عند (م ر)، وعند (حج) يكفيه العدل.
[6] الالتقاء هنا لا فرق بين عمده وسهوه، بشهوة وبغيرها، حي وميت، عالمًا وجاهلًا، مختارًا ومكرهًا، لقوله تعالى: {أو لامستم النساء} فعطف الله سبحانه وتعالى اللمس على المجيء من الغائط، ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على استواء الأمرين، وأما من قال أن المراد هنا الجماع، فيرد عليه بقوله صلى الله عليه وسلم لماعز: “لعلك لمست”. * والبشرة هاهنا ظاهر الجلد، وكل ما له حكم الظاهر. * القول الثاني وينسب للقديم، وبه قال (الفوراني): ينقض؛ لعموم النساء في الأدلة. * قال في (الدقائق): “حَقِيقَة الْمحرم الَّتِي لَا تنقض الْوضُوء وَيجوز النّظر إِلَيْهَا وَالْخلْوَة بهَا كل من حرم نِكَاحهَا مُؤَبَّدًا بِسَبَب مُبَاح لحرمتها منه. فقولنا: “مُؤَبَّدًا” احْتِرَاز من أُخْت امْرَأَته وعمتها وخالتها ونحوهن وَمن بنتهَا قبل الدُّخُول بِالْأُمِّ. وَقَوْلنَا: “بِسَبَب مُبَاح” احْتِرَاز من أم الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَة وبنتها فأمها حرَام على التَّأْبِيد لَكِن لَا بِسَبَب مُبَاح فَإِن وَطْء الشُّبْهَة لَا يُوصف بِأَنَّهُ مُبَاح وَلَا محرم وَلَا بِغَيْرِهِمَا من أَحْكَام الشَّرْع الْخَمْسَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فعل مُكَلّف. وَقَوْلنَا: “لحرمتها” احْتِرَاز من الْمُلَاعنَة فَهِيَ حرَام على التَّأْبِيد لَا لحرمتها بل تَغْلِيظًا عَلَيْهِمَا”. * وأما لمس المبان: فقال (حج): إن المنفصل فوق السرة ينقض عنده، وأما (م ر) فلا ينقض إلا أن يبقى الاسم عليه؛ أي رجل أو أنثى. * وشذا (الاصطخري) فقال: بنقض الأمرد. * والعضو الزائد كأصلي.
[7] القول الثاني: لا ينقض؛ لظاهر الأدلة. * فالقولين مبنيان على نفس الدليل، وظاهر الدليل أنهما مشتركان في اللذة الحاصلة في الأصل، فاشتركا في المظنة، فاشتركا في الحكم، فاستويا. ولكن استدل أصحاب الثاني بحديث عائشة أم المؤمنين –رضي الله تعالى عنها– أن يديها وقعتا على بطن قدمه صلى الله عليه وسلم وهو في السجود، ولكن أجاب المعتمد باحتمال الحائل، فإن وقع الاحتمال بطل الاستدلال.
[8] وكذا في الأصح العجوز التي لا تشتهى. * الوجه الثاني: ينقض؛ لعموم الأدلة، فتندرج الصغيرة مطلقًا، وينقض الباقي قياسًا على البد، إذ هي داخلة في عموم البدن في كل مسألة من مسائل الفقه، كالغسل والطلاق والنكاح والمحرمية. * والضغيرة لا تشتهى عند سليم العقل؛ فلا تدخل في مظنة الشهوة، وضبط الصغيرة عائد إلى العرف على الصحيح. * وليس إخراجهم الشعر والأسنان والأظفار منها بإخراج عند الشهوة فيهما، إلا أن المراد أن الشهوة فيها بالنظر لا بالحس الملموسِ. * والمنفصل من ما ذكر ليس له حكم المتصل قطعًا فلا ينقض الوضوء، ولكن نص الشافعي على استحباب الوضوء من مس شعر الأجنبية مطلقًا. * فخلاصة المسألة: أن يكون الإلتقاء: 1. أن يكون بالبشرة، 2. أن يكون بين رجل وامرأة، 3. أن يكونا قد بلغا حد الشهوة، 4. أن يكونا أجنبيين، 5. أن لا يكون بين التقاء البشرتين حائل.
[9] القديم لا ينقض؛ لظاهر الأدلة. * والمس هنا سواء أكان من نفسه أو من غيره، رجل أو امرأة، صغير أو كبير، حي أو ميت، عمدًا أو سهوًا. * وبطن الكف إذ هو أصل المس. وسمى الكف كفًا لأن به يكف الأذى عن البدن. والباطن: هو ما يستتر عند التحامل الكفين. * وضابط الفرج في المرأة: ملتقى الشفرين.
[10] أي: في الجديد. والقول القديم –وحُكي جديدًا كذلك–: ينقض كفرج الآدمي. * وفرج البهيمة: لا يحرم النظر إليها ولا يجب سترها.
[11] الوجه الثاني: لا نقض؛ للعدم في الجب، وانتفاء الشهوة في الباقي.
[12] الوجه الثاني: لا يحرم؛ لأنه كالوعاء.
[13] الوجه الثاني: لا يحرم المس؛ لأن الخريطة والصندوق كالوعاء له، واللوح ليس هو ولا في معناه.
[14] الوجه الثاني: يحرم؛ لإحلاله بالتعظيم الواجب.
[15] قال (دم): اعترض على المصنف عطف تفسير على حمله بعد الأمتعة؛ لمنع الجمهور منه، وقد أجازه بعضهم.
[16] الوجه الثاني: على ولييه منعه من مسه. * (عك): قوله: “وأن الصبي المحدث لا يمنع” أي: من مسه لحاجةٍ. * مسألة المصحف على الأجهزة المحمولة: الأول: حين وجودها على الشاشة: اختلف المعاصرون لقياسين: الأول: يجب الطهارة لحملها؛ لأنها تعتبر مصحف عرفًا؛ قاله الشيخ (محمد الخطيب) والشيخ (موسى فربر). الثاني: لا يجب؛ لأنه أثر لا عين؛ قاله (شيخنا الخطيب) و(شيخنا مصطفى حامد بن سميط). قلت: لا أرى القياس قوي في قضية العين والأثر، لأننا به نجعل المصور كله أثر، وهذا لا يقول به أحد. والأول المتطبق على العرف وعلى مسألة حل قلب ورقه بعود، والله أعلم * المسألة الثانية: حين كون البرنامج مغلق على الجهاز المحمول: اختلف المعاصرون لقياسين: الأول: يجب الطهارة؛ لأنها كالصندوق. الثاني: لا يجب؛ لأنها لا تعتبر مصحف بأي حال. قلت: لا ينبغي أن يحصل خلاف هنا، لأنها حين كونها مغلقة فلا مصحف.
[17] الوجه الثاني: لا ينظر إلى ما قبلهما؛ ولكن يلزمه الوضوء بكل حالٍ احتياطًا. * قال في (الدقائق): “الشَّك هُنَا وَفِي مُعظم أَبْوَاب الْفِقْه هُوَ التَّرَدُّد سَوَاء المستوي وَالرَّاجِح هَذَا مُرَاد الْفُقَهَاء وَعند أهل الْأُصُول الشَّك المستوي وَإِلَّا فالراجح ظن والمرجوح وهم” اهـ.