كتاب الجنائز

كِتَابُ الجَنَائِزِ

لِيُكْثِرْ ذِكْرَ المَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ المَظَالِمِ، وَالمَرِيضُ آكَدُ. وَيُضْجَعُ المُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَانٍ وَنَحْوِهِ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ. وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ بِلَا إِلحَاحٍ، وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ (يس)، وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَإِذَا مَات غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ، وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ، وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ، وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ. وَغُسْلُهُ، وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنَهُ فُرُوضُ كِفَايَة. وَأَقَلُّ الْغُسْلِ: تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَسِ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الْأَصَحِّ، فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ المَنْصُوصُ: وُجُوبُ غَسْلِ الْغَرِيقِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْأَكْمَلُ: وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ، وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى المُغْتَسَلِ مَائِلًا إِلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إِمْرَارًا بَلِيغًا لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ، ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَى، وَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مِنْخَرَيْهِ مِنْ أَذًى، وَيُوَضِّئُهُ كَالحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَرِّحُهُمَا بِمِشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ، وَيُرَدُّ المُنَتَتَفَ إِلَيْهِ. وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إِلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ. وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ، ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا مِنْ فَرْقِهِ إِلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلَ كَافُورٍ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ وَجَبَ إِزَالَتُهُ فَقَطْ، وَقِيلَ: مَعَ الْغُسْلِ إِنْ خَرَجِ مِنَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: الْوُضُوءِ. وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ: الرَّجُلُ، وَالمَرْأَةَ: المَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ: أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ، وَهِيَ زَوْجَهَا، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ. وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ: أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَبِهَا: قَرَابَاتُهَا، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ، وَأَوْلَاهُنَّ: ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ. قُلْتُ: إِلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقَرَبُ المُحْرِمُ طِيبًا، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفُرُهْ، وَتُطَيَّبُ المُعْتَدَّةُ فِي الْأَصَحِّ. وَالجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ المُحْرِمِ أَخْذُ ظُفُرِهِ وَشَعْرِ إِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: كَرَاهَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا. وَأَقَلُّهُ: ثَوْبٌ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ. وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ: ثَلَاثَةٌ، وَيَجُوزُ: رَابِعٌ وَخَامِسٌ، وَلَهَا: خَمْسَةٌ. وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ. وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ. وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ فَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ: ثَلَاثُ لَفَائِفَ، وَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ. وَيُسَنُّ الْأَبْيَضُ. وَمَحَلُّهُ: أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ، وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ. وَيُوضَعُ المَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَيُشَدُّ أَلْيَاه، وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ، وَيُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ وَتُشَدُّ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ. وَلَا يُلْبَسُ المُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا، وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ، وَلَا وَجْهُ المُحْرِمَةِ. وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ: أَنْ يَضَعَ الخَشَبَتَيْنِ المُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلَ المُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ، وَالتَّرْبِيعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ. وَالمَشْيُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا أَفْضَلُ، وَيُسْرَعُ بِهَا إِنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ.

فَصْلٌ

لِصَلَاتِهِ أَرْكَانٌ: أَحَدُهَا: النِّيَّةُ. وَوَقْتُهَا: كَغَيْرِهَا. وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ. وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ المَيِّتِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ. وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَاهُمْ. الثَّانِي: أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، فَإِنْ خَمَّسَ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ خَمَّسَ إِمَامُهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. الثَّالِثُ: السَّلَامُ كَغَيْرِهَا. الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ (الْفَاتِحَةِ) بَعْدَ الْأُولَى. قُلْتُ: تُجْزِئُ (الْفَاتِحَةُ) بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى، وَاللهُ أَعْلَمُ. الخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ. السَّادِسُ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. السَّابِعُ: الْقِيَامُ عَلَى المَذْهَبِ إِنْ قَدَرَ. وَيُسَنُّ: رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ، وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ: يَجْهَرُ لَيْلًا، وَالْأَصَحُّ: نَدْبُ التَّعَوُّذِ دُونَ الِافْتِتَاحِ، وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ: (اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ …) إِلَى آخِرِهِ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْه: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ)، وَيَقُولُ فِي الطِّفْلِ مَعَ هَذَا الثَّانِي: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ، وَسَلَفًا وَذُخْرًا، وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغِ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا)، وَيَقُولُ فِي الرَّابِعَةِ: (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ). وَلَوْ تَخَلَّفَ المُقْتَدِي بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إِمَامُهُ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَيُكَبِّرُ المَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ (الْفَاتِحَةَ) وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي (الْفَاتِحَةِ) كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتِ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَبَّرَهَا وَهُوَ فِي (الْفَاتِحَةِ) تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ المَسْبُوقُ بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا، وَفِي قَوْلٍ: لَا تُشْتَرَطُ الْأَذْكَارُ.وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ: الصَّلَاةِ لَا الجَمَاعَةُ ، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ. وَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الْأَصَحِّ. وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ. وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ بَعْدَهُ، وَالْأَصَحُّ: تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ المَوْتِ. وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالٍ.

فَرْعٌ

الجَدِيدُ: أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَتِهَا مِنَ الْوَالِي، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ الجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَا، ثُمَّ الْأَخُ. وَالْأَظْهَرُ: تَقْدِيمُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ. وَلَوِ اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ فَالْأَسَنُّ الْعَدْلُ أَوْلَى عَلَى النَّصِّ. وَيُقَدَّمُ الحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ. وَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجُزِهَا. وَتَجُوزُ عَلَى الجَنَائِزِ صَلَاةٌ. وَتَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَالْأَصَحُّ: وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ. وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَالسِّقْطُ إِنِ اسْتَهَلَّ أَوْ بَكَى كَكَبِيرٍ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ بَلَغَهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوِ اسْتَشْهَدَ جُنُبٌ فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، وَأَنَّهُ تُزَالُ نَجَاسَتُهُ غَيْرَ الدَّمِ. وَيُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ المُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا تُمِّمَ.

فَصْلٌ

أَقَلُّ الْقَبْرِ: حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ وَيُعَمَّقَ قَدَرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ إِنْ صَلُبَتِ الْأَرْضُ، وَيُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ، وَيُدْخِلُهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ، وَأَوْلَاهُمُ: الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ. قُلْتُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمُ الزَّوْجُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَكُونُونَ وِتْرًا، وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ عَلَى يَمِينِهِ لِلْقِبْلَةِ وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إِلَى جِدَارِهِ، وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ بِلَبِنٍ، وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ، ثُمَّ يُهَالُ بِالمَسَاحِي، وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ. وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَيُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا. وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَلَا يُوطَأُ، وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا. وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ، وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَيُعَزَّى المُسْلِمُ بِالمُسْلِمِ: (أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ)، وَبِالْكَافِرِ: (أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ)، وَالْكَافِرُ بِالمُسْلِمِ: (غَفَرَ اللهُ لِمَيِّتِكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ). وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ المَوْتِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ، وَالنَّوْحِ، وَالجَزَعِ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ. قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ: يُبَادَرُ بِقَضَاءِ دَيْنِ المَيِّتِ وَوَصِيَّتِهِ. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي المَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ إِلَّا لِفِتْنَةِ دِينٍ. وَيُسَنُّ التَّدَاوِي، وَيُكْرَهُ إِكْرَاهُهُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لِأَهْلِ المَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ. وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ لْلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، بِخَلَافِ نَعْيِ الجَاهِلِيِّةِ. وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إِلَّا قَدْرَ الحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ. وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ، وَيُغَسِّلُ الجُنُبُ وَالحَائِضُ المَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا فَقَطْ. وَلْيَكُنِ الْغَاسِلُ أَمِينًا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا ذَكَرَهُ، أَوْ غَيْرَهُ حَرُمَ ذِكْرُهُ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ. وَلَوْ تَنَازَعَ أَخَوَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ أُقْرِعَ، وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ الْكَفَنُ المُعَصْفَرُ، وَالمُغَالَاةُ فِيهِ، وَالمَغْسُولُ أَوْلَى مِنَ الجَدِيدِ. وَالصَّبِيُّ كَبَالِغٍ فِي تَكْفِينِهِ بِأَثْوَابٍ. وَالحَنُوطُ: مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ. وَلَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إِلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، وَيَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، وَهَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا. وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا كَتَابُوتٍ. وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنْهَا. وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ المُسْلِمِ جَنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الْجِنَازَةِ وَإِتْبَاعُهَا بِنَارٍ. وَلَوِ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ وَجَبَ غَسْلُ الجَمِيعِ وَالصَّلَاةُ، فَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى الجَمِيعِ بِقَصْدِ المُسْلِمِينَ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالمَنْصُوصُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إِنْ كَانُ مُسْلِمًا). وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ: تَقَدُّمُ غُسْلِهِ وَتُكْرَهُ قَبْلَ تَكْفِينِهِ، فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ وَتَعَذَّرَ إِخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ أَلَّا يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ الحَاضِرَةِ، وَلَا الْقَبْرِ عَلَى المَذْهَبِ فِيهِمَا. وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، وَيُسَنُّ جَعْلُ صُفُوفِهِمْ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ. وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَّى، وَمَنْ صَلَّى لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا تُؤَخَّرُ لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ. وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ. وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ صَلَاةَ غَائِبٍ، وَالمَأْمُومُ صَلَاةَ حَاضِرٍ، أَوْ عَكَسَ جَازَ. وَالدَّفْنُ فِي المَقْبَرَةِ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ المَبِيتُ بِهَا. وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، وَأَنْ يَقُولَ: (بِاسْمِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). وَلَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ شَيْءٌ وَلَا مِخَدَّةٌ. وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ إِلَّا فِي أَرْضٍ نَدِيَةٍ أَوْ رِخْوَةٍ. وَيَجُوزُ الدَّفْنُ لَيْلًا، وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ، وَغَيْرُهُمَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ، وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بُنِيَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ هُدِمَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ، وَيُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى، وَعِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ، وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي مَوْضِعٍ، وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ، وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ. وَقِيلَ: تَحْرُمُ. وَقِيلَ: تُبَاحُ. وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو. وَيَحْرُمُ نَقْلُ المَيِّتِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ وَقِيلَ: يُكْرَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوِ المَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ المَقْدِسِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ إِلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ، أَوْ فِي أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ، أَوَ وَقَعَ فِيهِ مَالٌ، أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا لِلتَّكْفِينِ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعْةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثَبُّتَ، وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ، وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.