إمام الحرمين وابن تيمية وأصحاب الوجوه

بسم الله

يقول ابن تيمية: (وأبو المعالي ليس له وجه في المذهب، ولا يجوز تقليده في شيء من فروع الدين عند أصحاب الشافعي)

وقال أيضًا: (ولقلة علمه وعلم أمثاله بأصول الإسلام.. اتفق أصحاب الشافعي على أنه ليس لهم وجه في مذهب الشافعي، فإذا لم يسوغ أصحابهم أن يعتد بخلافهم في مسألة من فروع الفقه، كيف يكون حالهم في غير هذا، وإذا اتفق أصحابه على أنه لا يجوز أن يتخذ إماما في مسألة واحدة من مسائل واحدة من مسائل الفروع، فكيف يتخذ إماما في أصول الدين؟ مع العلم بأنه إنما نبل قدره عند الخاصة والعامة بتبحره في مذهب الشافعي رضي الله عنه؛ لأن مذهب الشافعي مؤسس على الكتاب والسنة. وهذا الذي ارتفع به عند المسلمين غايته فيه أنه يوجد منه نقل جمعه، أو بحث تفطن له، فلا يجعل إماما فيه كالأئمة الذين لهم وجوه)

=======

هذا كلام سخيفٌ للغاية؛لأمور:

1- إذا أُطلق الإمام في كتب الفروع عندنا.. انصرف إلى إمام الحرمين لا غير.

2- انظر في الشرح الكبير والصغير للرافعي: ستجده ينقل عن إمام الحرمين ويصرح باسمه واسم تلميذه الغزالي في كل مسألة تقريبًا، بل ويلتزم ذكر المسائل التي بحثها إمام الحرمين ثم يقبل بعضها ويترك البعض، ومثل ذلك يفعل النووي في الروضة.

3- نهاية المطلب هي عمدة المذهب حقيقة؛ فمنها أُخذ البسيط، فالوسيط، فالوجيز، والوسيط هو كتاب النووي الذي طالعه أكثر من 400 مرة، والوجيز هو الذي شرحه الرافعي في العزيز، والرافعي والنووي عمدة المتوسطين.

4- صنيع النووي في المنهاج صارخٌ بعدِّ إمام الحرمين من أصحاب الوجوه، وعلى سبيل المثال:

قوله في صلاة الجمعة: “ويغتسل، فإن عجز تيمم في الأصح”. ومقابله احتمال للإمام.

ومنها: في تحريم الحلي على المعتدة، “وكذا اللؤلؤ في الأصح”. فإنه تردد للإمام.

ومنها: قوله: “والصحيح قطع ذاهبة الأظفار بسليمتها دون عكسه”. ليس في عكسه إلا احتمال للإمام.

وكذلك صريح صنيع الرافعي في الشرح عد الجويني من أصحاب الوجوه، فقد عددتث له أكثر من ستين موضعًا يعدُّ فيها اختيارات الإمام وأبحاثه وجوهًا، بل وصحح بعضها مذهبًا.

5- ثلث مسائل كتاب الحيض هي اختراعٌ من الجويني، وأقرها بكمالها كل من جاء بعده، ومثل ذلك في كتاب الوصايا والديات والأروش والحكومات والمعاقل.

6- اشتهر قول الشافعية: منذ صنف الإمام النهاية.. لم يشتغل الناس إلا بكلام الإمام. وهذه مقولةٌ دائرة على ألسن الشافعية.

=====

وأما كون كتاب نقلًا مجموعًا.. فليس عيبًا أصلًا،وكذك يؤكد أن ابن تيمية لم ير الكتاب أصلا.

1- لأن تحرير المنقول في المذهب.. مما يُحمَد به الكتاب، وترك التحرير مما يُطرَح معه الكتاب ولا يوثق به، ولا نحصي في النهاية عدد المواضع التي قال فيها الإمام: القياس كذا وكذا، غير أن المنقول من المذهب كذا.

2- بعد ذكره للنص وما له وما عليه، يذكر نقول القاضي وصاحب التقريب وغيرهما، ثم يتعقب الجميع بذكر الإشكالات وما قد ينقدح لها من جوابات مجروحة.

3- كثرة تخريجه من كلام المزني، بل وتنبيهه على أن فروعًا معينةً خارجة عن أصل الشافعي فحقها أن تنسب للمزني لا للشافعي.

4- ذكره قاعدة الباب التي دارت عليها مسائله، بحيث تكون دستورًا عند التنازع.

5- ذكره الإشكالات التي قد تنقدح للأذكياء على المسائل أخذًا وردًا، ثم بيان وجهه والجواب عليه بما لا مزيد عليه

فالحاصل:

1- أن إمام الحرمين قد عده ابن الصلاح من أصحاب الوجوه، ووافقه على ذلك (عمليًا) الرافعي والنووي، ونقل كلام ابن الصلاح مقرًا ابن حجرٍ.

2- مدار كتب الشافعية على نهاية المطلب؛ لذا سمي بالمذهب الكبير، وقيل: إنها الجامعة للأم والمزني والبويطي.

3- قبل ظهور الرافعي.. كان الشافعية إما وسيطية أو مهذبية، والوسيطية كان كتابهم المطول نهاية المطلب، والمهذبية الحاوي الكبير.

4- المتبحر في المذهب يعلم قطعًا أن الشرح الكبير للرافعي كتاب خرساني (مستفاد من النهاية والوسيط) مع مسحةٍ عراقية من الحاوي والبحر وغيرهما.

5- لو جرينا على قول ابن الرفعة: أنه ليس من اصحاب الوجوه (مع أن العمل يخالفه) فليس نفي تلك الرتبة عنه؛ لنقصٍ فيه، بل قيل: لاستيفاء من قبله وجوه البحث، وقيل: لانضباط أصحاب الوجوه بالطبقة الرابعة، بدليل أنهم لم يعدوا الشيرازي وابن الصباغ والبغوي والمتولي من اصحاب الوجوه باتفاقٍ، مع أن كتبهم عمُد المذهب.

اترك رد