الإشارات
إلى
ما وقع في المنهاج
من
أسماء الأماكن واللغات
للإمام
العلامة المحدث الفقيه
سراج الدين أبو حفص
عمر بن الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الأنصاري الشافعي
تــ 804 هجريًا
انتهى من تبيضه صبيحة الجمعة سنة 774 هجريًا
نقلت من خط: سليمان بن صالح بن عادل الحنبلي
نسخها من نسخةٍ قرئت على المؤلف وعليها من خطه سنة 794 هجريًا
وفي النسخة أنها كانت في مِلك الإمام الفقيه ابن قاضي شهبة الأسدي الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله على الدوام وأشكره على توالي الإنعام وأصلي على صفيه وخليله صفوة الأنام ومصباح الظلام وعلى آله وصحبه الغر الكرام مدى الدهور والأعوام؛ وبعد:
فكتاب المنهاج للعلامة محيي الدين النووي -قدس الله روحه ونور ضريحه- قد تيسر لي عليه بحمد الله عدة مؤلفات مهمة أهمها شرحي المسمى:
بـ(ـعمدة المحتاج إلى كتاب المنهاج)
وقد نجز لي بحمد الله وإفضاله وانتشر وهو كتاب جليل المقدار.
ثم لخصت منه جزًا لطيفًا سميته:
(عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج).
وأفردت ما عليه من الاعتراض في جزء سميته:
(نهاية المحتاج إلى ما يستدرك على المنهاج).
ويتلوه أدلته من الحديث الصحيح المسماه:
بـ(ـتحفة المحتاج)
وقد نجزت منة الله، وانتشرت انتشارا كثيرا حتى وصلت إلى الحرمين الشريفين، ولله الشكر على ذلك.
وقد اقتصرت منها على جزء لطيف أيضًا سميته:
(البلغة)
وهي مهمة أيضًا.
ويتلوه لغاته وضبط ألفاظه وسميته:
(الإشارات إلى ما وقع في المنهاج من الآسماء والأماكن واللغات).
وكنت فرغت من تأليفه في سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة، ثم زدت عليه قدره أو أكثر منه في سنة خمس وأربعين، ثم لازلت أزيد فيه إلى سنة ثمان وخمسين، والآن قد شرعت في تبيضه وقسمته ثلاثة أقسام:
الأول: في لغاته العربية والمعربة والألفاظ المولدة والمقصور والممدود والمجموع والمفرد والمشتق وعدد لغات اللفظة والآسماء المشتركة والمترادفة والحقيقة والمجاز والعام والخاص إلى غير ذلك.
الثاني: بيان الآسماء الواقعة فيه ونبذة من حالهم.
الثالث: في أسماء الأماكن وتحقيقها من مواطنها وضبطها.
وكنت عزمت أن اذكر قسمًا آخر في عزو الأحاديث الواقعة فيه في باب المناهي ثم رأيت أنها مذكورة في التحفة المشار إليها أولا، فلا حاجة إلى إعادتها، وهذا حين الشروع في قسم اللغات مرتبًا على أبواب الكتاب.
اسأل الله الكريم تيسيره على أحسن الوجوه وأنفعها وأعمها وأدومها بمحمد وآله، لا رب سواه ولا نرجوا إلا إياه، حسبنا الله ونعمل الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونبدأ من ذلك بالكلام على ما يحتاج إليه من الخطبة فإنه مهم.
فَصل
في شرحِ الخطبة
الحَمْدُ: هُوَ الثّناء عَلَى المَحمود بجميلِ صفاتِهِ وَأفعَالِهِ سَواء كَانَ فِي مُقابلةِ نعمةٍ أَمْ لَا.
وَالشُّكْرُ: الثّناء عليهِ بانعامهِ عَلَى الشَّاكِر سَواء كَانَ قَولًا أَوْ فِعْلًا.
وَنَقِيض الحَمْد: الذم. وَنَقِيض الشُّكْر: الكفر.
وَيُقَال: حُمِدَ بكسر الميم، يُحْمَدُ بفتحها.
وذهب المبرد[1] وغيره إِلَى أَن الحمدَ والشُّكر بمعنى؛ وَلَيسَ بِمَرضِيّ، فَفِي الحَدِيث: “الحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ [مَا شَكَرَ الله عَبْدٌ لَا يَحْمَدُهُ]”[2] وَهُوَ دَالٌ عَلَى الفَرق بَينَهُمَا.
وَقِيل: الشُكْرُ أَعَم مِنْ الحَمْدِ، فإنه باللسانِ وَالجوارحِ، والحَمْدُ باللسانِ فقط.
وَقَدْ أَكثرَ النَّاس فِي الحَمدِ وَالشُّكر؛ وَأَيُّهُمَا أَخص، والتحقيق مَا ذَكرنَاه أولًا؛ فيكون بين الحمدِ والشكرِ عموم وخصوص مِنْ وجهٍ؛ فيجتمعان فِي تَنَافِي مقابلة نعمةٍ.
ويوجد الحمد بدون الشكر فِي ثَنَاءٍ لَا يُقابل نعمة. وَالشُّكر بدون الحمد فِي فعل مُقابل النِّعمة.
فَلَيسَ كُل حَمدٍ شكرًا، ولا كل شكرٍ حمدًا؛ نَعم مُتعلق الحمد وَهُوَ المَحمود عَلَيهِ أَعَم مِنْ متعلق الشّكر؛ فكل مَا يَصَح الشّكر عَلَيهِ يصح الحمد عَلَيهِ وَلَا يَنْعَكِسُ.
وَقَالَ الزمخشري[3]: “الحمد والمدح أخوان، وهو الثّناء والنّداء عَلَى الجميل مِنْ نِعمة وغيرها.
تَقُول: حمدت الرجل عَلَى إِنْعَامِهِ، وحمدته على حسبِهِ وشجاعتِهِ.
وأمّا الشّكر فَعَلَى النعمة خاصة؛ وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّى ثلاثةً … يَدِي ولِسَانِى والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا
والحمد باللسان وحده؛ فهو إحدى شعب الشكر”[4].
وقال الرافعي[5] في التذنيب[6]: المدح أعم مِنْ الحمد، لأن الثّناء عَلَى الشخص بِمَا لَا اختيار لَهُ؛ كحُسن الوجه والقَدر ونحوها يُطلق عليهِ المدح دون الحمد، وحينئذٍ يكون متعلق المدح؛ وهو الممدوح عليه أعم الثلاثة، وهو يوافق مَا نقله الراغب[7] في المفردات، ويخالف ما تقدم عن الزمخشري.
قال الواحدي[8]: والألف واللام في الحمد يحتمل كونها للجنس؛ أي: لجميع المحامد له؛ لأنه الموصوف بصفات الكمال في نعوته وأفعاله الحميدة، ويحتمل كونها للعهد؛ أي: الحمد الذي حمد به نفسه وحمده به أولياؤه”[9].
واختار ابن عطيه[10]: أن قول العبد: “لا إله إلا الله” أفضل من قوله: “الحمدلله” لأنها تدفع الكفر والإشراك.
وفي الترمذي[11]: من حديث جابر[12]: “أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لله”.
قال سهل بن هارون[13]: “وَجَبَ عَلَى كُل ذِي مَقَالة أَن يبتدي بالحمدِ قَبْل استفتاحها؛ كَمَا بُدي بالنعمةِ قَبْل استحقاقها”.
واللام في لله لام الاضافة، ولها معنيان: الملك؛ كالمال لزيد، والاختصاص؛ كالسرج للفرس.
وقال الإمام فخر الدين[14]: “هي لام اللياقة؛ أي أن الحمد لا يليق الإله”.
وَهَذَا الاسم؛ وَهُوَ الله مِنْ أعظم الأسماء الحسنى.
قال بعض مشايخ الصوفية: “أنه اسم الله الأعظم” كما حكاه القرطبي فِي المقصد الأسنى، ونقله البندنيجي[15] عَنْ أكثر أهل العلم.
قال القرطبي[16]: “واختيار الشافعي[17] وَكَثير مِنْ المحققين: أنه اسم علم للذات، والألف واللام لازمه لَهُ لَا للتعريفِ وَلَا لِغَيرِهِ”.
ثُمَّ اختَلَفُوا فِيهِ: هَلْ هُوَ اسمٌ عَرَبي ابتدأت بِهِ العَرب أو عِبراني نقلته العرب إِلَى لغتها؟ عَلَى وَجْهَينِ.
وَذَهَبَ كَثيرٌ مِنْ أَهْلِ العلم إِلَى أنه مشتق؛ فقيل: أصله لاهٍ، وقيل: إلاهٍ، وقيل غير ذَلِكَ، وَمَحل الخوض فِي ذَلِكَ كُتُب العَرَبية فَلَا نَطول بِهِ.
قال الخطابي[18]: “وأحب الأقاويل إليّ قول مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّه اسم عَلَم وَلَيس بِمُشتَقٍ”.
وأجمع القراء السبعة[19] وجمهور الناس عَلَى رفع الدال مِنْ الحمدُ لله، وقُرِي نصبها عَلَى إضمار فعل.
وضمها مَعَ ضم اللام عَلَى الاتباع، وكسر الدال عَلَى الاتباع أيضًا.
[1] أبو العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد تـ 286 هجريًا، له الكامل في اللغة والأدب والفاضل والمقتضب وشرح لامية العرب وغيرها.
[2] رواه البيهقي وفي الآداب برقم 708 وفي الشعب برقم 4079، والبغوي في المعالم برقم 757 وفي شرح السنة برقم 1256؛ والخطابي في غريب الحديث برقم 271؛ وفيه انقطاعه ذكره السيوطي في شرح التقريب.
[3] أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري تـ 538 هجريًا، له أساس البلاغة والمستقصى والمفصل في صنعة الإعراب ومشتبه أسامي الرواة وتفسير الكشاف والرائض في علم الفرائض وغيرها.
[4] الكشاف 1/8.
[5] أبو القاسم عبد الكريم بن أبي الفضل محمد بن عبد الكريم القزويني الرافعي الشافعي تـ 623 هجريًا، له العزيز والمحرر وشرح مسند الشافعي والتذنيب والأمالي وغيرها.
[6] هذا نقل لمعنى كلامه في مقدمة التذنيب.
[7] أبو القاسم الحسين بن محمد الأصفهاني تـ 502 هجريًا، محاضرات الأدباء والأخلاق والمفردات في غريب القرآن وغيرها.
[8] أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي تـ 468 هجريًا، له أسباب النزول والبسيط والوسيط والوجيز.
[9] التفسير البسيط 1/483.
[10] أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي تـ 541 هجريًا، له فهرس ابن عطية والمحرر الوجيز في التفسير.
[11] أبو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي تـ 279 هجريًا، له السنن والشمائل والعلل والزهد وغيرها.
[12] جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي تـ 78 هجريًا، روى ما يقرب من 2000 حديث.
[13] سهل بن هارون بن راهبون أبو عمرز الدستميساني، له التدبير والرياض والنمر وغيرها.
[14] أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن الرازي الطبرستاني القرشي التيمي الشافعي تـ 604-606 هجريًا، له مفاتيح الغيب وأسرار التنزيل وتأسيس التقديس والمطالب العالية وغيرها.
[15] أبو نصر محمد بن هبة الله البندنيجي الشافعي تـ 495 هجريًا، له المعتمد في الفقه الشافعي.
[16] أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المالكي تـ 671 هجريًا، له الجامع لأحكام القرآن والتذكرة والتذكار والأسنى وغيرها.
[17] أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي تـ 204 هجريًا، له الرسالة القديمة والجديدة واختلاف الحديث وجماع العلم وإبطال الاستحسان وغيرها.
[18] أبو سليمان حمد بن محمد البستي الخطابي الشافعي تـ 388 هجريًا، له الغريب والمعالم شرح سنن أبي داود والغنية والأعلام وغيرها.
[19] وهم: عبد الله بن كثير الداري المكي، وعبد الله بن عامر اليحصبي الشامي، وعاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي، ونافع بن عبد الرحمن المدني، وأبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي.