قال الإمام الدميري رضي الله عنه

قال الإمام الدميري -رَضِيَ الله عَنْهُ- في مقدمة شرحه على المنهاج:

“أما بعد: فهذا شرح لـ منهاج النووي شيخ الإسلام، أودعته جملاً من مفردات العلماء الأعلام، وفوائد أثنت عليها أفواه المحابر وألسنة الأقلام، وأبكار أفكار بفرائد الدر تحلت، وملخص أبحاث بألفاظ قُلْتُ ودلت، وحوى مع ذلك أهم المهمات، ونصوص المطالب الملمات، وجواهر بحر صيغت خواتم وتتمات، وفواتح أبواب للأصول والضوابط أمات، وحوادث في الفتاوى تقررت، ومشكلات في الدعاوى تحررت، وقواعد كلية يرجع الفقيه إليها، و تقريب أحكام يعتمد المفتي عليها، وفيه من فتح العزيزتعليل يشفي الغليل، ومن روضة الرياض مجموع ينفع العليل، ومن الصحاح والعباب ما تقر به العين، ومن تجريد الأدلة والاستنباط محكم النوعين، ومن خلاصة الإحياء ما عقد سلكنه انتظم، ومن زهر آداب مروج الكامل والمنتظم. هذا ولسان التقصير في طويل مدحه قصير، والله يعلم المفسد من المصلح وإليه المصير. وأول من شرحه: الشيخ الإمام العلامة تقي الدين السبكي -رَضِيَ الله عَنْهُ-، فسبك إبريزه. ثم شيخنا الشيخ جمال الدين -رَضِيَ الله عَنْهُ- لخصه بعبارته الوجيزة. ثم شيخنا الشيخ سراج الدين ابن أبي الحسن -رَضِيَ الله عَنْهُ- بين من أدلته الصحيح والغريب والحسن، ونفى بشرحه ولغاته عَنْ الطرف الوسن. ثم شرحه العلامة الأذرعي -رَضِيَ الله عَنْهُ-؛ فسكت وبكت. ثم النّقاب ابن النقيب -رَضِيَ الله عَنْهُ- نقب عليه ونكت، فكان كالجدول من البحر المحيط والخلاصة من البسيط والوسيط.

ثم عليه أئمة من علماء العصر -رَضِيَ الله عَنْهُ-م- كتبوا فأحسنوا ما صنعوا، وقوم أطنبوا وآخرون تمموا، فتعبوا وأتعبوا، وكل منهم عادت عليه بركة علامة نوى، فبلغ قصده وكل امرئ ما نوى. وقل من جد في أمر يحاوله … واستصحب الصبر.. إلا فاز بالظفر. وهذا الشرح -إن شاء الله تعالى- عمدة للراغب في إيضاح مفرداته، عدة للباحث عَنْ باهر مولداته؛ لأنه استوعب ما يتعلق به أو يؤول إليه، واعتنى بدفع الاعتراضات عليه، وبين بمفصله مجمله، وأوضح بـ تحقيقه مشكله، وقيد بـ تهذيبه مطلقه، وفتح بـ إقليده مغلقه، وأودعه عَنْ كل من القضاة لباب ما علقه، وغرائب ابن الصلاح ونكته المفرقة، فلو رآه أبو حامد العراقي لاستصغر رونقه، أو القفال لزين بـ محاسن شريعته طرقه، أو الإمام لتباهي في أساليبه المحققة.

فهو بـ تبيانه الكافي مهذب) الفصول، مرتب لفروع محقق الأصول، متوسط الحجم وخير الأمور أوساطها، لا تفريطها ولا إفراطها، جمعته تذكرة لنفسي، وعوناً لأبناء جنسي، ونوراً لظلمات رمسي، فهو سمير خلوتي وأنسي، يذكرني ما الحادثات تنسي، يا حبذا جهري به وهمسي، وساعتي مع غدي وأمسي، على أني لا أبرئه عَنْ زلل يوجب له من لبيب وصمة، فكل أحد مأخوذ من قَوْلُهُ: ومردود إلا من خصه الله بالعصمة.

وحيث أطلق لفظ الشيخ فمراده الشارح الأول، وإن عبر بـ (مهمة) فعلى الثاني المعول، وإن أرسل التصحيح فمن كلام الرافعي أو المصنف، وما عدا ذلك فبذكره الأسماع تشنف.

وسميته:

النجم الوهاج في شرح المنهاج

تيمناً بقوله تعالى: {وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. فالنجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت.. أتى أهلها ما يوعدون، وضعف البزار وابن حزم [6/ 243] حديث: (أصحابي كالنجوم)، ونحن بغيرهما مقتدون.

والله المرجو أن يجعله خالصاً لوجهه ومن أجله، وأن يعيذنا من همز الشيطان وخليه ورجله، وأن يوفقنا في القول والعمل لما يرضيه، وأن يوزعنا شكراً يوجب المزيد من فضله ويقتضيه، وبالله أستعين فهو نعم المعين.”.

اترك رد