در التاج في إعراب مشكل المنهاج

قريبًا

در التاج

في إعراب مشكل

المنهاج

للشيخ

الإمام الحافظ

العلامة جلال الدين

عبد الرحمن السيوطي الشافعي

نفعنا الله تعالى ببركاته وعلومه

آمين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلى الله وسلم عَلَى سيدنا محمد

الحمدلله الَّذِي شَرَّفَ اللسان العربي، ووصف بِهِ أعظم كتاب وأكرم نبي [صلى الله عليه وسلم].

والصلاة والسلام عَلَى سيدنا محمد أفصح الفصحاء، وعلى آله وصحبه مَا قصد إنسان إِلَى علم ونحا؛

وبعد:

فهذا كتاب وضعته عَلَى منهاج النووي -رحمه الله- أبين فِيهِ إعراب مشكلاته، وتصحيح مركباته.

يسمى بــ:

در التاج فِي إعراب مشكل المنهاج

والله اسأل أن ينفع بِهِ كل محتاج إِلَيهِ، وأن ييسر إتمامه، ويعين عَلَيهِ.

[مقدمة المنهاج]

قَولُهُ فِي الخطبة:

“أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، وَأَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ”

أَقُولُ:

قَالَ الشيخ جمال الدين الاسنوي[1]: “قَولُهُ: “وَأَوْلَى” هُوَ عطف عَلَى “أَفْضَلِ”، وَلَا يجوز أن يكون عطفًا عَلَى الجار والمجرور.

وإلا صار التقدير: “إن الاشتغال بالعلوم أولى مَا أنفقت فِيهِ نفائس الأوقات” وحينئذٍ تَنَاقَضَ التبعيض السابق”.

وتبعه المحقق جلال الدين المحلي[2] فقَالَ فِي شرحه: “وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ”[3].

***

وَحَاصِلُ مَا قَالَاه:

أَنَّهُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى المجرور بـ”مِنْ” فِي قَولُهُ: “مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ” لِيَكُونَ الوَصْفَانِ دَاخِلَينِ تَحْتَ التَّبْعِيضِ، وَلَيسَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى مَجْمُوعِ الجَارِ وَالمَجْرُورُ الواقع خبرًا، لأنه يقتضي خروجه عَنْ حيز التبعيض، وكونه هُوَ الأولى؛ لَا مِنْ جملة الأولى، وذلك ينافي مَا بني عَلَيهِ المعطوف عَلَيهِ مِنْ التبعيض.

***

قَولُهُ:

“وَمِنْهَا: إِبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا أَوْ مُوهِمًا خِلَافَ الصَّوَابِ بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ وَمِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ.”

أَقُولُ:

اعتُرِضَ عَلَى هَذِهِ العِبَارة: بِأَن الحروف فِي لُغَة العرب وَهُوَ الَّذِي صرح بِهِ النّحويون أن الباء مَعَ الابدال تدخل عَلَى المتروك لَا عَلَى المأتي بِهِ؛

قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} [البقرة: 108].

[وقال تعالى:]{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61].

فَكَانَ الصَّوابُ أَنْ يَقُولَ : إِبْدَالُ الأَوضَحَ وَالأَخْصَرَ بِمَا كَانَ… إِلَخ.

وقَالَ أبوحيان[4] -فِي شرح التسهيل-: “هذه المسألة غلط فيها كثير مِنْ المصنفين فِي العلوم ومن الشعراء، فيدخلون الباء عَلَى مَا لَا يصح دخولها عَلَيهِ فِي لسان العرب، وينصبون مَا تدخل عَلَيهِ فِي لسان العرب؛ ففي المنهاج لأبي زكريا النووي :

“وَلَوْ أَبْدَلَ: (ضَادًا) بِـ(ظَاءٍ) لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ”

يعني فِي قَولُهُ: {وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7]، ولو جرى كلامه عَلَى اللسان العربي لقَالَ: “وَلَوْ أَبْدَلَ ظَاءًا بِضَادٍ” أَيْ: جعل بدل الضاد ظاء، فالمنصوب هُوَ الَّذِي يصير عوضًا، وَمَا دخلت عَلَيهِ الباء هُوَ الَّذِي يكون معوَّضًا وَمِنْهُ.

وَهَذَا جار فِي هذه المادة مِنْ أَبْدَل وَبَدَّلَ وَتَبَدَّلَ، المنصوب هُوَ المعوّض الحاصل، وَمَا دخلت عَلَيهِ الباء هُوَ المعوّض وَمِنْهُ الذاهب.

فَإِذَا قُلتْ: أبدلت دينارًا بدرهمٍ، فمعناه: اعتضتُ دبنارًا عوض الدرهم، فالدينار هُوَ الحاصل المعوّض، والدرهم هُوَ الخارج عنك المعوّض وَمِنْهُ.

وَهَذَا عكس مَا يفهم العامة، وكثير ممن يعاني العلوم وعلى مَا ذكرناه.

***

جاء كلام العرب؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَضْحَكُ مِنِّي أُخْتُ ذَاتِ النِّحْييَن… أَبْدَلَكِ الله بِلَوْنٍ لَوْنَيْنِ

سَوَادَ وَجْهٍ وَبَيَاضَ عَيْنَيْنِ

آلَا تَرَى كَيفَ أَدْخَلَ عَلَى المعوض وَمِنْهُ الباء وَهُوَ قَولُهُ : “بِلَوْنٍ” ونصب “لَوْنَيْنِ” وَهُوَ المعوض.

وقَالَ تعالى : {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} [البقرة: 108].

وقَالَ تعالى : {وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} [سبأ: 16].

وقَالَ تعالى : {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}  [البقرة: 61].

وقَالَ تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}  [محمد: 38].

وقَالَ تعالى: {عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا} [القلم: 32].

تقديره: “أن يبدلنا بها خيرًا منها” فحذف “بها” أَيْ: بالجنة التي طيف بها.

وقَالَ تعالى: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا وَمِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: 81]  أَيْ: يبدلهما بِهِ.

وعلى هَذَا نظم علماء الشعراء؛ قَالَ أبو تمام[5]:

تَبَدَّلَ غَاشيهِ بِرِيمٍ مُسَلِّمِ… تَرَدَّى رِدَاءَ الحُسْنِ وَشْيا مُنَمْنَما

ومن وشى خد لَمْ ينمنم فرنده… معالم يذكرن الكتاب المنمنما

وبِالخَدْلَةِ السّاقِ المخدَّمةِ الشَّوى… حماما إذ لاقى حماماً ترنَّما

وبالخدالة الساق المخدمة الشوى… قَلائصُ يَتْلُون العَبَنَّى المُخَدَّما

وقد يجوز حذف حرف الجر لدلالة المعنى عَلَى العوض والمعوض وَمِنْهُ.

قَالَ تعالى: {فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] أَيْ: يستبدلهم حسنات.

وقَالَ تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59].

وقَالَ تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم: 48]  أَيْ: بغير الأرض.

وقد يقع موقع الباء التي تدخل عَلَى المعوض وَمِنْهُ بعد، وهي دالة عَلَى سبق المعوض وَمِنْهُ ؟؟؟؟  بالعوض.

قَالَ الشاعر[6]:

وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامياً بَعْدَ… صِحَّةٍ لَعلَّ منايانا تَحوَّلْنَ أبْؤُسا

معناه: وبدلت قدحًا دائمًا بعد صحة؛ أَيْ : عوضت بدل الصحة قدحًا.

وأصل أبدل وبدل أن يتعدى لاثنين منصوبين، ولثالث بالباء؛ آلا ترى كيف صرح بذلك فِي قَولِهِ: “أَبْدَلَكِ الله بِلَوْنٍ لَوْنَيْنِ”، وفي قَولُهُ: {وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 16].

وَقَدْ جَرَتْ عَادَة النَّحويين أَن يَقولوا: “أبدلت كذا بكذا”، ولا يذكرون المنقول الأول.

وأيضًا فليس المعنى عَلَيهِ؛ لأنك إِذَا قُلتْ: “أبدلت هَذَا الحرف بهذا الحرف”، لَا يريدون: “أبدلتك هَذَا الحرف بهذا الحرف”، عَلَى أنه لَا يبعد أن يكون أصله هكذا، ثم حذف المفعول الأوّل، وكثر حذفه فِي اصطلاحهم حتى صار نسيًا لَا يراد معناه بوجهٍ. انتَهَى

***

وَجَوَابُ هَذَا:

مَا أَشَارَ إِلَيهِ ابن العماد[7]، وصح بِهِ شيخ العصر شمس الدين القاياتي[8] رحمه الله تعالى: “ادخال الباء عَلَى المأتي بِهِ فِي الإبدال معروف لُغَة، صرح بِهِ فِي القاموس؛ فقَالَ: معنى قولهم: “أبدل الخاتم بالحلقة” مثلًا: حصل بدلًا وَمِنْهُ”. انتهي

قَالَ : “وسبب غلط المعترض مِنْ أبدل؛ ظن أبدل مثل استبدل، وليس كذلك، فإن معنى: “استبدلت الخاتم بالحلقة”؛ طلبت: أن يكون بدلًا منها فكان هُوَ المأخوذة منها، وكذا استبدلته بها؛ أَيْ: أخذته بدلًا منها، بخلاف مَا سبق فِي معنى: “أبدل””. انتَهَى

فصح مَا قاله المصنف، وإن لَمْ يوافق عَلَيهِ بعض المحققين.

***

قُلتْ:

إِذَا ثبت مَا ذكرناه مِنْ وجود ذلك لُغَة، وساعد عَلَيهِ المعنى، وبطل استدلالهم بظهور المعنى الفارق، فلا يعدل عنه لكن هَذَا حينئذٍ يشعر بعدم جواز إدخال الباء عَلَى المتروك أصلًا ورأسًا لما فِيهِ مِنْ إحالة المعنى… فتأمل.

***

ثم رأيت فِي الياقوتة لابن عمر الزاهد قَالَ: أخبرنا ثعلب عَنْ سلمة عَنْ الفراء قَالَ: يقَالَ أبدلت الخاتم بالحلقة إِذَا نحيت هَذَا وجعلت هذه مكانه، وبدلت الخاتم بالحلقة إِذَا اذبته وجعلته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إِذَا اذبتها وجعلتها خاتمًا.

وَهَذَا أيضًا صريح فِي أن الباء فِي أبدل وبدل تدخل عَلَى المأخوذ.

ثم قَالَ: قَالَ ثعلب: وحقيقته: أن بدلت إِذَا غيرت الصورة إِلَى صورة غيرها، والجوهرة بعينها وأبدلت: إِذَا نحيت الجوهرة وجعلت مكانها جوهرة أخرى.

قَالَ أبو عمر: فعرضت هَذَا الكلام عَلَى محمد بن يزيد المبرد فاستحسنه،

واستدل له بِقَولِهِ تعالى : {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56]

قَالَ: فهذه الجوهرة وتبديلها وتغيير صورتها إِلَى غيرها مِنْ السواد ونحوه. انتَهَى

***

[1] هُوَ الإمام جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعي المولود سنة 704 هـ، المتوفى سنة 775 هــ، صاحب المبهمات عَلَى الروضة، والهداية إِلَى أوهام الكفاية، والأشباه والنظائر، وجواهر البحرين، والتمهيد ونهاية السول فِي الأصول وغير ذلك مِنْ المصنفات المشهورة.

[2] هُوَ الإمام جلال الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين أحمد العباسي الأنصاري المحلي -نسبة للمحلة الكبرى بمحافظة الغربية- القاهري الشافعي المولود فِي شوال سنة 791 هـ المتوفى فِي رمضان سنة 864 هـ، صاحب البدل الطالع فِي حل جمع الجوامع وشرح الورقات لإمام الحرمين وشرح منهاج الطالبين المسمى بـكنز الراغبين فِي شرح منهاج الطالبين وغيرها مِنْ المصنفات المشهورة.

[3] ورده حج 1/62؛ بِقَولِهِ: “فَزَعْمُ خُرُوجِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ إيرَادِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَأَوْلَى مَعْطُوفٌ عَلَى أَفْضَلَ كَمَا يَأْتِي، وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مِنْ أَفْضَلَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَوْنَهُ أَفْضَلَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْأَفْضَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا» فَأَتَى هُنَا بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَحْسَنُ النَّاسِ خُلُقًا إجْمَاعًا فَنَتَجَ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مِنْ الْأَفْضَلِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أَفْضَلَ بِنَصِّ كَلَامِ أَنَسٍ هَذَا الَّذِي هُوَ أَقْوَى حُجَّةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – كَمَا صَحَّ عَنْهَا أَيْضًا فَإِذَا اُنْتُهِكَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ غَضَبًا فَأَتَتْ بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ مِنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَنَّ مِنْ هُنَا زَائِدَةٌ بِخِلَافِهَا فِي كَلَامِ أَنَسٍ.” ووافقه: رم النهاية 1/40، خط المغني 1/51.

[4] هُوَ الإمام أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي الظاهري، المولود سنة 654 هـ، المتوفى سنة 745 هـ، مِنْ مصنفاته التذييل والتكميل شرح التسهيل وارتشاف الضرب مِنْ لسان العرب والبحر المحيط فِي التفسير وغيرها مِنْ المصنفات المشهورة,

[5] هُوَ أبو تمّام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، المولود سنة 188 هـوالمتوفى سنة 231 هـ، مِنْ مصنفاته ديوان الحماسة.

[6] هُوَ لامرىء القيس فِي ديوانه؛ يقول فِي مطلعها : ألمّا عَلَى الربع القديم بعسعسا…

[7] هُوَ الإمام شهاب الدين أحمد بن عماد الأقفهسي، المتوفى سنة 867 هـ، صاحب البحر العجاج فِي شرح المنهاج والاقتصاد فِي كفاية الاعتقاد وتحفة الإخوان فِي نظم التبيان وغيرها مِنْ المصنفات المشهورة.

[8] هُوَ قاضي القضاة شمس الدين محمد بن علي القاياتي الشافعي، المولود سنة 785 هـ، والمتوفى سنة 850 هـ.