أصل المنهاج

باب في ذكر أصل المنهاج

 

في هذا الباب سنعرض آراء فقهاء المذهب حول أصل هذا المتن.

اعلم وفقني الله وإياك لكل خير؛ أن أصل الخلاف في هذه المسألة هو الوقوف على أصل (المحرر)، لا (المنهاج)، ولكن لأن (المنهاج) اختصار لـ(ـلمحرر)، أُلحق بالكلام على أصله.

تنبيه: يعرف هذا الكتاب منذ عصر تأليفه إلى يومنا هذا بأسماء عدة؛ منها: (المنهاج الفرعي)، (منهاج النووي)، (المنهاجين) -ويراد به المنهاج الأصلي والمنهاج الفرعي-، و(منهاج الفقه)، و(مختصر المحرر).

 

قال شيخنا السيد محمد بن عمر الكاف -حَفَظَهُ الله تَعَالَى-: يوم الاثنين 15 من شهر ربيع الأول سنة 1431 الموافق لـ اليوم الأول لشهر مارس 2010 بالرومي.

“اختلف المتأخرون في كتاب (المحرر) للرافعي:

هل هو كتابٌ مستقلٌ؟ أم مختصرٌ من كتابٍ قبله؟ على ثلاثة أقوال:

1-هو كتاب مستقل: قال ابن حجرالهيتمي(ت974هـ): (وتسميته -أي المحرر- مختصراً لقلة لفظه، لا لكونه ملخصاً من كتاب بعينه)[1].

2- هو مختصر من «الوجيز» للغزالي: قال البجيرمي(1221هـ): (إن المحرر مختصر من الوجيز)[2].

وهو أشهر هذه الأقوال، والذي تابعه عليه معظم من كتبوا عَنْ المذهب وكتبه[3].

3- هو مختصر من «الخلاصة» للغزالي: قال العلامة عبدالله بن حسين بلفقيه(ت1266هـ)[4] في رسالته القيمة «مطلب الإيقاظ»: (ثم اختصر الخلاصة الإمام الرافعي في كتابه المحرر)[5].

وهو رأي د. محمد الزحيلي حيث يقول: (أما السلسلة الأصلية فتابعت تطورها من الخلاصة للغزالي فجاء الإمام الرافعي، وهو محقق المذهب وشيخه، فاختصر «الخلاصة» في كتابه «المحرر» فاختار الأقوال الراجحة، والآراء المعتمدة، وصوّب الكثير لآراء الغزالي وترجيحاته)[6]

والرأي الأول [عند شيخنا الكاف] هو الأرجح.

وحاول الجمع بين هذه الآراء الدكتور مرتضى المحمدي الداغستاني[7] الذي قتل غدرًا [-رَحِمَهُ الله تَعَالَى- ورضي عنه وطيب ثراه] في رسالته للدكتوراة (المدخل إلى أصول الإمام الشافعي) (1/222) أن «المحرر» مختصر من «الوجيز» بمعنى أنَّ الأحكام مستمدة منه أو أنه استفاد منه، وهو جمع ضعيف.

والرأي الأقوى- في نظري- من بين هذه الآراء هو الرأي الأول، لمجموعة أمور:

1- الرافعي لم يَنُصَّ في مقدمة كتابه «المحرر» على أنه مختصر من «الوجيز»[8].

2- لم ينص أحد من شراح «المنهاج» على أن « المحرر» مختصر من «الوجيز».

3- ولا ذكر أحد ممن ترجموا للرافعي ذلك.

4- ولم تشر كتب الفهارس والمصنفات إلى ذلك، مع اهتمامها بمختصرات «الوجيز».

وبعد توصلي لهذا الرأي وجدت أ.د علي جمعة قد رجحه أيضا في كتابه (مدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية) ص51، فلله الحمد.

 

  • وقد يقول قائل: ما الفائدة من تحرير هذا الأمر؟

فأقول: هناك أمر يترتب على هذا، وهو تسلسل كتب الشافعية بدءا من «مختصر المزني» وصولاً إلى «المنهج» لشيخ الإسلام زكريا، فالمشهور عند المتأخرين أن «مختصر المزني» شرحه إمام الحرمين في «نهاية المطلب» وهو الذي اختصره الغزالي في «البسيط» ثم اختصره في «الوسيط» ثم اختصره في «الوجيز» ثم جعلوا «المحرر» مختصراً «للوجيز»، و«المنهاج» مختصر «للمحرر»، و«المنهج» مختصر للمنهاج. وبناء على هذا الرأي ينقطع هذا التسلسل، وهو الصحيح عندي.

ولعل سبب اختلاف المتأخرين هو إهمال العلماء لهذا الكتاب واهتمامهم الشديد بمختصره «منهاج الطالبين» للنووي، كما تقدم في سرد المراحل التاريخية للمذهب، حيث انحصر اهتمام المتأخرين بـ«المنهاج» وشروحه فقط في المراحل المتأخرة، الأمر الذي جعل نسخ «المحرَّر» عزيزة الوجود وغير متوافرة، فلم يطلع أكثر المتأخرين عليها، فنشأت هذه الأقوال تخميناً[9].”

 

* * *

 

ولتكملة الفائدة؛ لشيخنا الكاف مقال آخر بعنوان: الخلاصة للغزالي ليس مختصرًا للوجيز.

قال -حَفَظَهُ الله تَعَالَى-:

” كتاب «الخُلاصة» للغزالي: واسمه «خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر»، الذي اختصره من «مختصر المزني» خلافاً لمن وهم فجعل «الخلاصة» اختصارا «للوجيز»، كالعلامة السيد علوى بن أحمد السقاف (ت1335هـ) في (الفوائد المكية) (113ص) ود. محمد الزحيلي في بحث بعنوان (الغزالي الفقيه وكتابه الوجيز)، مجلة التراث العربي -دمشق – العدد 22 – السنة السادسة – كانون الثاني “يناير” 1986 – جمادى الأولى 1406.

فالغزالي مصرِّحٌ في ديباجة «الخلاصة» بأنها اختصارٌ وترتيبٌ لـ «مختصر المزني»، وصرَّح به أيضاً في «الإحياء»، فلا أصلَ إذن لما ظنه هؤلاء، لكن ألتمسُ العذرَ لهم فيما قالوه ؛ لأن مَن يطالعُ في «الوجيز» و«الخلاصة» ولا يَدْري ما هو أصلُ «الخلاصة» فأولُ ما يتبادرُ إلى الذهنِ أنها اختصارُ «الوجيز» ؛ لأن الغزالي قد سلك – في الجملة – في تأليف هذا المختصر مسلكَ «الوجيز» من حيث الترتيبُ والتقسيمُ كما يظهرُ لمن يطَّلع على الكتابين أدنى اطلاع، أفاده الدكتور أمجد رشيد في مقدمة تحقيق «الـخلاصة» (دار المنهاج، جدة، 1428هـ، ط1) ص17.”

 

* * *

 

ونقل عَنْ بعض علماء داغستان:

” من الأسيف المنيف الفقير عبد اللطيف لما التمسه منه أخوه الظريف دِبِرْ:

«اعلم وفّقك الله وفقّهك وحفظك عَنْ الخزي ونزّهك أن بركة الأنام ونعمتهم، وكاشف عويصتهم وغمّتهم محمّد بن إدريس الشافعيّ صنّف كتابه «الأمّ» بعد أن رجع من العراق إلى القاهرة وجمع فيه المسائل الجديدة، ثمّ المجتهد في المذهب إسماعيل بن يحيى المزني تلميذ الشافعيّ وناصر مذهبه اختصر «الأمّ» واشتهر بـ«مختصر المزني».

ثمّ إنّ الشيخ المجتهد في المذهب إمام الحرمين عبد الملك شرح لمختصر المزني وسمّاه «النهاية».

ثمّ إنّ تلميذه الشيخ الإمام المجتهد في المذهب أبا حامد الغزاليّ الطوسيّ اختصر «النهاية» وسمّى المختصر «البسيط»، ثمّ اختصر «البسيط» وسمّى المختصر «الوسيط»، ثمّ اختصر «الوسيط» وسمّى المختصر «الوجيز».

ثمّ إنّ العلامة المجتهد في الفتوى أبا القاسم الرافعيّ شرح شرحين للوجيز الصغير والكبير وسمّى الكبير بـ«العزيز شرح الوجيز»، واختصر هذا الشيخ الرافعيّ من «الوجيز» كتابه «المحرّر».

ثمّ إنّ الشيخ الهمام الوليّ العارف بالله تعالى المجتهد في الفتوى أبا زكريّا يحيى النوويّ اختصر الشرح الكبير المسمّى بـ«العزيز» وسمّى المختصر ب«روضة الطالبين»، واختصر أيضاً مختصر الوجيز المسمّى بـ«المحرّر» وسمّى المختصر بـ«منهاج الطالبين».

ثمّ إنّ الفاضل الهمام إسماعيل بن المقرئ اليمني اختصر مختصر العزيز المسمّى بـ«الروضة» اسماً ومسمّى وسمّى المختصر بـ«روض الطالبين».

ثمّ إنّ الفقيه الصوفيّ شيخ الإسلام بالقاهرة ذكريّا الأنصاريّ قدّس سرّه اختصر مختصر المحرّر المسمّى بـ«منهاج الطالبين» اسماً ومسمّى وسمّى المختصر بـ«منهج الطلاب» وشرح له ولمختصر ابن المقرئ وسمّى الأوّل بـ«فتح الوهّاب» والثاني بـ«أسنى المطالب»، فعلى ما حررته تعلم أنّ مراد شرّاح «المنهاج» من قولهم: (أصل الروضة) ما اختصره النوويّ من عبارة الشرح الكبير، ومن قولهم: (زوائد الروضة) ما زاد النوويّ في «الروضة» على الرافعيّ في «العزيز».

وإذا قالوا: (في الروضة وأصلها) فمرادهم ما تكلّما بلا تفاوت عبارتهما في المختصر والمختصر منه.

وإذا قالوا: (في الروضة كأصلها) ما تكلّما معنى مع وقوع تفاوت يسير في العبارتين».

منقول من خطّ المحقّق عُمَرِ لْـمُحُمَّدْ الطِّدِيّ.”

[1] ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج (1/35).

[2] البجيرمي، حاشية البجيرمي على المنهج (المكتبة الإسلامية، ديار بكر /تركيا) (1/15).

[3] مثل الأهدل في (سلم المتعلم) والدكتور عبدالعظيم الديب في مقدمة تحقيقه لنهاية المطلب، والدكتور محمد إبراهيم أحمد علي في بحثه (المذهب عند الشافعية) ود. مرتضى المحمدي في رسالته للدكتوراة (المدخل إلى أصول الإمام الشافعي وغيرهم.

[4] عبد الله بن حسين بن عبد الله، بلفقيه الحضرمي التريمي العلوي، مولده ووفاته في تريم، عالم متفنن مشارك، له عدة تصانيف في الفقه والأدب وغيرها، انظر: السقاف، تاريخ الشعراء الحضرميين 3/ 189.

[5] بلفقيه، مطلب الإيقاظ في الكلام على شيء من غرر الألفاظ، اعتناء: مصطفى بن سميط (دار العلم والدعوة، تريم، حضرموت، ط1، 2005م) ص136.

[6] د. محمد الزحيلي، بحث بعنوان، الغزالي الفقيه وكتابه الوجيز مجلة التراث العربي -دمشق – العدد 22 – السنة السادسة – كانون الثاني /يناير/ 1986م – جمادى الأولى/ 1406هـ.

[7] أحب ذكر شيء عَنْ هذا الشيخ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- فقد قتل غدرًا وخيانة في ليلة الجمعة الثالث من شهر أكتوبر عام 2009 بتاريخ الروم؛ وهذا أثناء رجوعه من عاصمة داغستان، إذ أوقفه بعض المجرمين وقتله بالرصاص، فمات بالنزيف؛ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- ورضي عنه؛ نسأل الله له الشهادة؛ وله مشاركة أصولية طيبة في المذهب؛ تفقه على فقيه الشام وعالمها المشهود لهم من جميع الإسلام العلامة مصطفى البغا -حَفَظَهُ الله تَعَالَى-. و الشيخ مرتضى قد حقق عدد من كتب الأصول؛ منها: كتاب شيخ الإسلام الأنصاري النجوم اللوامع في إبراز دقائق شرح جمع الجوامع، وكذا لب الأصول، والبدر الطالع للمحلي، وله جهد على التحفة كذلك؛ وكل هذا شرح وتحقيق وضبط نص الكتب بجودة عالية؛ وله أيضًا كتاب مهم جدًا ونفيس يعرف بـ المدخل إلى أصول الإمام الشافعي؛ ويعرف أيضًا ب القواعد الأصولية في تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي؛ وغيرها من التصنيفات والتحقيقات -رَضِيَ الله عَنْهُ-. وقد أنشد طالب داغستاني في مدحه:

أوّاه ما للنجم كيف جفانا  * * *        وهوى فأبكانا وهزّ سمَانا

ما للحياةِ إذا اشـرَأبَّ نهارُها * * *        فَجَعَـت فما اكتملت لنا بشرانا

ما للصباحِ صباحِ جمعةَ شاحبا             * * * يبكي إماما فاضـلا يغشانا

قـد أسقطته رصاصةُ الجُبن التي * * *      قد أسقطت أمـثالـه أزمانا

قتلوه غـدرًا فارتقى بشهـادة * * *         نحـو العُلا بدمائه مُزدَانا

ياشيـخنا يا مرتـضى تبكيك مـن           * * *         شـامٍ مآذنها اكتَـسَتْ أحـزانا

وكذا جبالُ إمـارةِ القوقاز قد * * *        سالت دموعا أغرقَت وُديانا

فبأرض داغـستانَ كم لك مجلـسٌ            * * *        فيه نـشـرت هدًى وزدت بيانا

ووقفـت تـدفع كـيـد كل مضـلِّلٍ              * * *         تُـردي أباطيل الحِـجَا برهـانا

لم تـخـش فـي الله الـعظيم ملامة            * * *         بل كنـت تـنصر جنده إعلانا

فقـه وإرشاد وبذل نصـائـح   * * *         وفًـخـار عـلـمـك مـسرجٌ دنـيانا

ثـم الـشهـادة توجـتـك مـعزة  * * *         فـسَمَـوْتَ مجدا وارتقـيت مكانا

ياربنا فـتـقبّـل اسـتـشـهـاده    * * *         وارزقه فـي يوم المَعاد جـنانا

يـلـقى بها خـير الأنام وصحبه               * * *         ويرى بلا حُجُبٍ بها الرحمانا

واجـبر إلـهي كسرنـا والذلَّ في                * * *         زمن به صار العـزيـز مـهانا

[8] قال الإمام الرافعي -رَضِيَ الله عَنْهُ- في مقدمة المحرر: “سُبحانك اللهم وبحمدك أُسَبِّحُكَ بِكبريائك، واعتلائك، وأحمدك على مَوفور نعمائك والآئك، وأُصلي وأسلم على محمد صلى الله عليه وسلم الذي اصطفيته من أنبيائك، وأخدمته الملائكة، وأسألك أن تجعلني مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأستوفقك لما هَمَمتُ به من نظمِ مُختَصرٍ في الأحكام، مُحَرَّرٍ عَنْ الحشو والتطويل، ناصّ على ما رجحه المعظم من الوجوه والأقاويل، مُفَرعٍ في قالب، مُهَذَّبِ الجُملة والتَّفصيل، مُخَمِّرِ التَّفريع والتأصيل، وأرغبُ اليك في تسهيل هذا المحرر على مُحَصِّلّيه بفضلك العظيم، وفي تَقَبُّلّه مني انك أنت السميع العليم ”

[9] ذكرها شيخنا الكاف في الملتقى الفقهي: في مقالٍ بعنوان: المحرر للرافعي ليس مختصرًا من الوجيز، ولا من الخلاصة. http://www.feqhweb.com/vb/t5031.html#ixzz5abVkQkSw