حاشية المصري على شرح المنهج

1126- أحمد بن علي المصري كَانَ حيًا 1126 هجريًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ لَهُ شَرْح، سَمَّاهُ: (إحسان الوهاب شَرْح منهج الطلاب) قَالَ فِي أَوَّلِهَا مِنْ بَعْدِ الْبَسْمَلَةِ: ” … فسبحان من جعلهم كنجوم السماء، يهتدي بهم كل ساجد وراكع، ويخضه إليهم كل شامخ الأنف رافع، أحاطوا بسور الإسلام كسوار المعصم، قائلين لأهله والحق سامع، أخذنا بآفاق السماء لنا قراها والنجوم الطوالع. زين الله بمواطيء أقدامهم الأرض فسلكوا فِي مسالك الفقه، فيها مبينين للناس السنة والفرض؛ فساروا على منهج منهاج الطريق الواضح أحسن سير، وجروا فِي أحوالهم على منوالهم وَلَمْ يكتر ثواب أهل الحسد والضير. وجعلوا دأبهم إقامة الحجج والبراهين الواضحة، وبينوا القول الضعيف من المعتمد واعتمدوا الأقاويل الصحيحة الراجحة؛ فجزاهم الله عَنْ فعلهم خيرا، وجعل سعيهم مشكورا، وكان سيد هذه الطائفة من أدرك النصف والربع من القرن التاسع، وأدرك الربع الأول من القرن العاشر، صاحب الفضل على أهل المشارق والمغارب، وتقدم فِي زمنه تقدم النص على القياس، وسبق؛ وهي تناديه: “قف فما فِي وقوفك ساعة من بأس”! العالم الرباني، والعارف الصمداني؛ شيخ الوقت والطريقة، ومعدن السلوك والحقيقة، المصنف المتصف على ألسنة العارفين، بالوصول إِلَى مراتب الكمل الواصلين؛ شيخ الإسلام والمسلمين، أبي يحيى زكريا بن أحمد الأنصاري السنيكي -نسبة لسنيكة قرية من قرى الشرقية- القاهري الأزهري الشَّافَعِيّ -تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته-. ولد: ببلده سنيكة؛ سنة ست وعشرين وثمان مئة، ونشأ بها. وحفظ: القرآن، والعمدة، ومختصر النويري. ثُمَّ تحول للقاهرة؛ سنة احدى وأربعين وثمان مئة، وأقام بالجامع الأزهر. وحفظ: المنهاج، والألفية، والشاطبية، والتسهيل، وبعض ألفية الحديث وغير ذَلِكَ. وكان إذا جاع؛ يخرج ليلًا، ويجمع قشور البطيخ، ويغسلها، ويأكلها؛ فسخر الله -سبحانه- لَهُ رجلًا يعمل فِي الطواحين؛ فصار يتعهده بالكسرة والطعام مدة سنين. ثُمَّ أتاه آت فأوقعه على سلم الوقادة، وقال: “اصعد” فصعد؛ ثُمَّ قَالَ: “انزل” فنزل؛ ثُمَّ قَالَ لَهُ: “إنك تعيش حتى يموت اقرانك، ويصير طلبتك مشايخ الإسلام فِي حياتك، حتى ينكف بصرك” فقال لَهُ: “لابد من العمى؟” قَالَ لَهُ: “لابد منه” ثُمَّ فارقه؛ فلم يره بعد ذَلِكَ؛ فجد واجتهد فِي العلوم. وأخذ: الفقه والأصول والمعاني والبيان عَنْ: القاياتي والشرف المناوي. والحديث عَنْ: الحافظ ابن حَجَر العسقلاني. والتصوف عَنْ: الشَّيخ مُحَمَّد الغمري. ثُمَّ تصدر للتدريس؛ فلازمه العارف الشعراني، والشهاب الرَّمْلِيّ، والشهاب ابن حَجَر الهيتمي، والعز البغدادي، وابن الهائم، وابن المجدي وغيرهم. وكان على طريقة حسنة من التواضع، وحسن الأدب والعشرة، والصدق وشرف النفس والقناعة، وسعة الباطن، ومزيد العقل والخير والمداراة إِلَى أن صار معتقدًا وتصديق لذلك فِي حياة شيوخه. وانتفع بِهِ الفضلاء طبقة بعد طبقة. ثُمَّ تصدر للتأليف؛ فصنف: على (البهجة) شرحين، وشرح (الروض)، واختصر (المنهاج)؛ وسماه: (منهج الطلاب)، واختصر (التحرير) وشرحه، وكتب فِي الحديث والأصول والفرائض والتوحيد وغير ذَلِكَ حتى بلغت مؤلفاته نحوًا من ستين تأليفًا، وكلها نافعة مقبولة عند الخاص والعام. وكان يميل -رحمه الله تعالى- إِلَى السادة الصوفية، ويذب عنهم، وكتب نفسه فِي الخانقاه. وكان يأكل يوم من خبزها ثلث رغيف، وجزم بولاية سيدي محيي الدين بن عربي، وسيدي عمر بن الفارض، وكتب فِي نصرتها، وكان يحب مجالسة العلماء والفقهاء، ويختار مجالسة الفقراء على مجالسته الأمراء. وكان لَهُ اعتقاد وحلم وصبر واحتمال وأوراد. وولي عدة مدراس وولي الميقات بالجامع الأزهر، وَلَمْ يزل فِي ازدياد من الترقي حتى ولاه السلطان قايتباي مدرسة الصلاحية، ثُمَّ استربمحتي ولاه القضاء الأكبر بمصر بعد موت الاسيوطي، بعفة ونزاهة. وَعُمِيَ فِي آخر عمره، ومع ذَلِكَ لَمْ يترك الإفتاء والتدريس، وَعَمر نحو مئة سنة. ومات سنة ست وعشرين وتسع مئة، حتى انقرض جميع أقرانه، وألحق الأصاغر بالأكابر، وصار كل من فِي مصر من اتباعه، واتباع اتباعه. وَقُرِيءَ عَلَيهِ شرحه للبهجة سبعًا وخمسين مرة، قَالَ المناوي -فِي طبقاته-: حتى قَالَ شيخنا الرَّمْلِيّ: “هذا شرح أهل بلد لا شرح رجل واحد”. وكان مجاب الدعوة جاءه شخص عمي سنين؛ فقال لَهُ: “ادعو الله لي أن يرد علي بصري” فدعا لَهُ؛ فأبصر فِي اليوم الثاني. وحكى صاحب اللواقح: “أنه قَالَ لَهُ: “كَانَ أخي الشَّيخ علي يجتمع بالخضر -عَلَيهِ السَّلَام-، فباسطه يومًا؛ فقال لَهُ: “مَا تقول فِي الشَّيخ يحيى المناوي؟” فقال: “لا بأس بِهِ” ثُمَّ قَالَ: “مَا تقول فِي الشَّيخ زكريا؟” فقال: “لا بأس بِهِ؛ إلا أن عنده نفيسه” فأرسل لي الشَّيخ علي بذلك فضاقت نفسي، وَلَمْ أعرف مَا مراده بالنفيسة؛ فأرسلت إِلَى الشَّيخ علي: أنه يستفهم منه؛ فسأله! فقال: “أنه إذا أرسله قاصده إِلَى أحد يقول لَهُ: “قل لَهُ: يقول لك: الشَّيخ زكريا” فيلقب نفسه بالشيخ” أَيْ: لأن فيه نوع تعظيم للنفس”، وقد قَالَ الوالد -رحمه الله تعالى- فِي قصيدة من ديوانه:

دع التعاظم واخضع للذي خضعت … لَهُ الملوك وأخلص تبلغ الأملا

ولما رأيت كتاب: (منهج الطلاب) الذي اختصره صاحب الترجمة من: (منهاج الطالبين) قد اذعن لَهُ أهل الخلاف والوفاق؛ وَهُوَ أجل مصنف بعد المختصرات، وتسكب على تحصيله العبرات. وَلَمْ تسمح بمثله القرائح، وَلَمْ تطمح إِلَى السبح على منواله المطامح. قد أبهر بِهِ الألباب، لما فيه من العجب العجاب. أبدع فيه التأليف، وزينه بحسن الترصيع والترصيف. وأورد فيه المعاني العزيزة، بالألفاظ الوجيزة، وقرب فيه المقاصد البعيدة، بالأقوال الفريدة؛ فهو يحاكي المطولات؛ مع صغر حجمه، ويباهل المختصرات؛ بغزارة علمه. قد أقبل الناس عَلَيهِ فِي الأقطار؛ بالحفظ والمطالعة والتدريس آناء الليل وأطراف النهار من كل طالب ورئيس؛ فأحببت أن اتبرك بخدمة ذَلِكَ الكتاب بشرح تقر بِهِ أعين أولي الرغبات من الأحباب، وعزمت على ذَلِكَ بعد من الله علي ذَلِكَ. شرعت فيه: فِي يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان من شهور عام سنة اثنين وعشرين ومئة وألف، واتبعت عزم الجنان بفضل البنان، معتمدًا على فضل الكريم الحنان المنان، لأني لست من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان ذَلِكَ الميدان. مستعينًا بِهِ، ومتوكلًا عَلَيهِ، ومادًا أكف الضراعة والافتقار إليه أن يسبغ علي واسع جوده وكرمه، وأن لا يعاملني بما قصرت فيه من خدمة شرحه يميط مخدراته ويزيل ختام كموزه ومستودعاته يحيط الغث من السمين، أورد فيه الأحكام بمختصر ايضاحًا، واترك فيه الشبه فتضال افتضاحًا، اطنب حيث يقتضي المقام، وأوجز حيث يتضح الكلام ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، واقتصر فيه على المعمول بِهِ فِي المذهب رومًا للاختصار فِي الأغلب، وانقل فيه مما سمعته من الشيوخ ومن كتب المحقيين أهل الرسوخ؛ كشرحي المصنف على (البهجة)، وَ(شرح الروض)، وَ(شرح التحرير)، وَ(شرح) شيخ الإسلام وعمدة الأنام شمس الدين مُحَمَّد الرَّمْلِيّ [م ر] على (المنهاج)، وحاشيته لشيخي ووالدي ووسيلتي إِلَى الله تعالى سيدي علي الشبرامُلسي []، وَ(شرح العباب)، وَ(شرح) شيخ المحققين أحمد بن حَجَر الهيتمي [حج] على (المنهاج)، وشرحه على (الإرشاد) []، وشرحه على (العباب) []، وَ(فتاويـ)ـه، وَ(شرح) الشَّيخ الْإِمَام العالم العامل الشَّيخ مُحَمَّد الشريف الخطيب [خط] على (المنهاج)، وَ(شرحـ)ـه على (أبي شجاع)، وشرح محقق الوجود الجلال المحلي على (المنهاج)، وحواشيه، ومن حواشي (المنهج)؛ كحاشية شيخ الإسلام علي الحلبي [ح ل] وحاشية شيخ الإسلام نور الدين الزيادي [زي]، وحاشية شيخ الإسلام أحمد بن قَاسِم العبادي [سم]، وحاشية شيخ الإسلام مُحَمَّد الشوبري [شو]، وحاشية شيخي ووسيلتي إِلَى الله تعالى الشَّيخ سلطان المزاحي [س ل]، وحاشية أخينا فِي الله تعالى شيخ الإسلام مُحَمَّد الاطفيحي [أ ط]، وإذا نقلت عَنْ غير هذه الكتب بينت اسم الكتاب، أَوْ مؤلفه. والله أسأل أن يعنني على اتمامه على أسلوب بديع، وأن يرزقني فيه الصواب بسيل منيع، واسأل من وقف عَلَيهِ أن يصلح مَا يبدو لَهُ فيه من فتور، وأن يصفح عما يشاهده من زللل، وأن ينعم باصلاح مَا يجده من خلل، وأن يسيل علي ذيل كرمه قبل إجراء قلمه [رحمه الله تعالى ورضي الله تعالى عَنْهُ]، وأن يستحضر أن الإنسان محل النسيان، وأن الأقلام قل أن تخلو من الطغيان، وقل أن أن يخلو مصنف من العثور، وأن الصفح عَنْ عثرات الضعاف من شيم الأشراف، وأن الحسنات يذهبن السيئات. وسميته: (إحسان الوهاب لحل ألفاظ منهج الطلاب وشرحه فتح الوهاب) ولما كَانَ العمل بالنيات، وكان لكل امرء مَا نوى؛ نويت بِهِ وجه الله الكريم، وأرجو منه أن يجعله سببًا للفوز بالنعيم المقيم، وأن يجعله من العمل المقبول؛ تابعًا لأصليه [المنهاج والمنهج]، واسأله سبحانه وتعالى أن يحفظني من قصد الرياء، والثناء عَلَيهِ، ومن الفخر بِهِ فِي دار الغرور، وأن يقبل ممن يقرأه أَوْ ينظر فيه دعوة صالحة من عبد صالح إذا صرت منجدلًا مع الأموات فِي القبور، ولما كَانَ العمل بالخبر طريقةً ملتزمة، والتأسي بكتاب الله سنة متحتمة، وَهَذَا التأليف أثرًا من آثارها، وفيضًا من أنوارها جرى المصنف كغيره على ذَلِكَ المنهج القويم، والطريق المستقيمن يأنأن … “. انتهى نقل مقدمة حاشيته.

* * *