مسألة توافق عبارات المتأخرين

مسألة توافق عبارات المتأخرين

 

قال الكردي -رَضِيَ الله عَنْهُ-:

على أن الشيخ ابن حجر يوافق شيخ الإسلام في أكثر المسائل، والرملي يوافق والده في أكثر المسائل.

بل جل مخالفاته « للتحفة » يوافق فيها والده؛ والخطيب الشربيني لا يكاد يخرج عَنْ كلام شيخ الإسلام والشهاب الرملي لكن موافقته للشهاب أكثر من موافقته لشيخ الإسلام.

ولما سئل العلامة السيد عمر البصري عَنْ (المغني) للخطيب و(التحفة) لابن حجر و(النهاية) للجمال الرملي يعني في توافق عبارتها هل ذلك من وقع على الحافر أو من استمداد بعضهم من بعض؟

أجاب السيد عمر -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- بقوله:

“«شرح الخطيب الشربيني» مجموع من خلاصة (المنهاج) مع (توشيحه) بفوائد من تصانيف شيخ الإسلام زكريا وهو متقدم على (التحفة) وصاحبه في رتبة مشايخ شيخ الإسلام ابن حجر لأنه أقدم منه طبقة.

ثم قال السيد عمر: وأما شيخنا الجمال الرملي فالذي ظهر لهذا الفقير من سبره أنه في الربع الأول يماشي الخطيب الشربيني ويوشح من (التحفة) ومن فوائد والده وغير ذلك.

وفي الثلاثة الأرباع يماشي (التحفة) ويوشح من غيرها.اهـ. ما أردت نقله من (فتاوى السيد عمر البصري).

وأقول:

إن ابن حجر يستمد كثيراً في (التحفة) من حاشية شيخه عبدالحق على (شرح المنهاج) للجلال المحلي.

والخطيب في (المغني) يستمد السيد البصري لأن ابن شهبة من جملة شراح (المنهاج) وأيضاً فقد قال في خطبة شرحه: استخرت الله تعالى في النظر فيما تيسر لي من شروح (المنهاج) أن تنقى من محاسن أحسنها فوائد لحل ألفاظ الكتاب كافية ولا يزاد ما فيه من الكتب التي هي أنفس من الجواهر أو فيه مشيراً إلى ما يرد علي الكتاب منبهاً على ما هو أقرب إلى الصواب … إلى آخر ما قاله ابن شهبة.

فشرحه حاو لشروح (المنهاج) والجمال الرملي كما قال السيد عمر لكنه يستمد كثيراً من (شرح الإرشاد) الكبير لابن حجر أيضاً، فهؤلاء الأئمة يستمد بعضهم من بعض.

 

قال شيخنا المحدث الشيخ محمد بن أبي بكر باذيب : ” وهناك قصة لم ارها مدونة، سمعتها من غير واحد من مشايخي في تريم وجدة، خلاصتها: أن ابن قاسم كان في وضع لا يحسد عليه بين الشيخين، وأنه قبل عودته الى مصر من مكة، اعتزل مجلس الشيخ ابن حجر، فغضب عليه الشيخ في باطنه وتغير قلبه عليه، فيقال: أن كفي ابن قاسم مسختا وذهبت اصابعهما، فاستغاث بشيخه الرملي، فرد الله عليه كفيه كما كانتا. وسواء كان ذلك يقظة او مناماً.

إلا انها ومع قصة سجود الشيخ ابن حجر .. تدل على ما وراءها

والله اعلم”

* * *

 

مسائل في المعتمد

 

الاحتكار على التحفة والنهاية لا لاجل من صنف فيها، ولكن قد جمع في هذين الشرحين جل المسائل التي ذكرت من قبل، مع تصحيح ومراجعة وضبط.

ولأن المراد الكتاب لا شخص، لعله يمكننا أن نقول: أن المراد بهما مع الحواش التي عليها.

فنحن نريد بهما أنها كتب مراجع؛ أي: نجد فيها ما يصح إطلاق لفظة المعتمد عليه.

لأن كل مسألة مبنية على عدة أمور معروفة.

وما في هذين قد عرفت طريقته وأسلوبه، فأيقنَّا أنهما لن يخرجا من معتمد المذهب غالبا، ولكن لا نستطيع أن نعترف بذلك لغيرهما.

نعم؛ قد يقترب منهما قوة وضبطا؛ كالمحلي وشيخ الإسلام والمغني وغيرهم.

والمراد بـ(يقترب منهم) أي: في كيفية معالجة المسائل لا القوة العلمية لدى واحد منهم.

ففي الحقيقة لا يقارن بين هؤلاء علمية، فلا فائدة من المباحثة في ذلك.

فحينما نحصر الفُتيا في التحفة والنهاية نريد أن المعتمد غالبا من هذين.

وفي الحقيقة نقول ذلك ونعلم تقصير العبارة، لأن الافتاء اصلا ليس بمحصور في المنهاج؛ ولكن هذه مسألة نضبط فيها المذهب ضبط علمية، بأن يقدم كتب على كتب، حتى تظهر المدرسة في صورة مرتبة قيمة. ولذا كثر الكلام حول ترتيب كتب الأئمة؛ فهذا يسهل بيان معتمد المذهب وكيفية الخوض فيه.

فما قد يظنه البعض احتكار على كتب المذهب، فليس كذلك، بل هو ترتيب وتنظيم لابد منه. وإذا كسرنا هذه الضوابط والحواجز، عدنا إلى مرحلة ما قبل الشيخين من شبه فوضى علمية بين كتب المذهب. لأن الفقه كغيره من العلوم، يتغير مع مرور الزمان، لا في الأحكام، ولكن في أسلوبه وترتيبه وعرضه، فالتغير الذي حصل في عهد الشيخين أمر تاريخي لابد منه، وكذا الاستقرار بعد ذلك على حج ومر أمر لابد منه.

وهذا لا يعني جمود أو شيء من هذا القبيل؛ لا وألف لا، ولكن هذا يعني أننا وجب علينا البناء على ما سبق لا الهدم.

فقد جاء بعد الشيخين من تحدى الشيخان، وسميناهم (النظار)، وجاء من بعد حج ومر من تحدى قولهما، وهم (أصحاب الحواشي).

فمن يأتي من بعد أصحاب الحواشي عليه أن يبني على ما تم عمله، ولا يعني ذلك حجر الكتب أو العلم في أحد، لكنهما هما أصحاب المرحلة.

فنجد حتى (النظار)، إذا اعترضوا على النووي مثلا في موضع، في غيرها يوافقونه ويعقبون الكلام بقولهم: (وصحح في الروضة) مثلا، فهذا يدل أنه عندهم كانا الشيخان هما مربط الفرس، ولا يعني ذلك العصمة، أو عدم النظر في غير كتبهم.

ولكن …

قد يفهم البعض من إطلاق بعض المتأخرين للمعتمد أننا لا نخرج عنهم أبدًا، وهو ليس مراد، بل إن صرح بعضهم بذلك فهو أيضًا ليس كذلك.

ولكن المراد في الأصل أنهما عقدة المذهب، الرباط الذي يربط به المرحلة.

فبالتالي؛ من يحاول فك هذه الرابطة فهو عندي مثل من يحاول التفرقة بين المتقدمين والمتأخرين في علم الحديث؛ وهذه أضحوكة الزمان!

اترك رد